الثلاثاء، 20 يناير 2015

الجغرافيا ومفهوم استخدام الأرض




    تتميز الجغرافية بالثنائية والازدواجية، فهى تدرس المكان ومن ثم تنتمى لمجموعة علوم الأرض الطبيعية، وأيضاً تدرس الإنسان ونشاطه على سطح الأرض لذا فهى تنسب للعلوم الاجتماعية.
الجغرافيا ومفهوم استخدام الأرضفتدرس الجغرافيا الطبيعية الظاهرات الطبيعية التى
 لا دخل للإنسان فى وجودها على سطح الأرض وان حاول
 أن يؤثر فيها مثل السطح والمناخ وغيره، بينما تعالج الجغرافيا البشرية الظاهرات الحضارية المختلفة التى أنشأها الإنسان على سطح الأرض مثل انتشاره الجغرافى وسكنه ووسائل النقل والمواصلات وغيرها.
ولقد زاد اهتمام الجغرافيين فى مجال الجغرافية الاقتصادية بعمليات المسح الكامل والشامل لكل ما هو قائم على سطح الأرض من ظاهرات مختلفة سواء كانت متغيرة أو ثابتة فى منطقة محددة لتحديد أنماط استخدام الأرض وتتبع كل ما يطرأ عليه من تغيرات ثم توقيع ذلك على خرائط خاصة تعرف بخرائط استخدام الأرض.
تلك الخرائط ذات الفائدة الكبيرة للباحثين إذ تمكن من يستخدمها بعد إعدادها من استخلاص العديد من المعلومات المحددة التى يمكن تحليلها وشرحها واستنتاج النتائج والحقائق منها.
الأنماط الرئيسة لاستخدامات للأرض هى:

أولاً: الاستخدام الاقتصادى للأرض:
    حيث يضم الاستخدامات الزراعية والصناعية وغيرها، إذ يتعامل الإنسان مع موارد الأرض المختلفة بهدف اقتصادي إنتاجي.

ثانياً: الاستخدام السكنى للأرض:
     ويقصد به أن يوظف الإنسان كل ما لديه من قدرات ووسائل لبناء شكل من أشكال الاستيطان أو المأوى والانتفاع به.

ثالثاً: الاستخدام الحضارى للأرض:
       ويقصد به توظيف الوسيلة المناسبة لكل شكل من أشكال الخدمات المتنوعة فى كل صورها الحضارية.

من هنا يأتى دور استخدام الأرض من المنظور الجغرافى، حيث تبين الدراسة الجغرافية مسئولية الإنسان عن مستوى الاستخدام، وكيفية تعامله مع الأرض، وكيفية توظيفه وتطويعه لتلك الأراضى ومدى استجابتها له.
فالجغرافى يفسر ويحلل هل استخدام الأرض فى منطقة دراسته مناسب أم جائر ؟ ثم إذا كان مناسباً فهل هناك أمثل ؟ أما إذا كان جائراً فلماذا ؟


فعلى سبيل المثال، إذا كان الاستخدام تقليدياً جامداً يستطيع الجغرافى يحدد مواصفات الاستخدام المتطور ويوضح دوافع التغيير إلى ما هو أصلح وأفضل دون تجاوزات مثيرة تستوجب اللجوء إلى الضوابط لإيقاف هذه التجاوزات.
 بل يكون فى وسعه أيضا أن يبلور الرأي الجغرافى السديد عن علاقة رزينة وجيدة بين أوضاع وكفاءة الإنسان وحسن توظيف الوسيلة التى يداوم على تحسينها حتى تجاوب أقدامه على الاستخدام المتطور الذى يجد دون الوقوع فى محظورات الخطأ .


بمعنى أن يعلن هذا الرأى الجغرافى فى صيغة مناسبة تخدم الهدف التطبيقى من اجل تنشيط معدلات تطور هذا الاستخدام الجيد لحساب الإنسان نفسه.

والخلاصة هى أن الهدف الأسمى لاستخدام الأرض من الناحية الجغرافية هو الوصول للاستخدام الرشيد لها بما يمكن للإنسان أن يجنى ثمار هذا الاستخدام.
ولذا كانت حاجة العمل الجغرافى إلى الدراسة الميدانية التى ينبغى أن يقوم بها الجغرافى نفسه قبل الدراسة النظرية، حيث يعاين ويلاحظ بنفسه أوضاع هذه الأنماط بما ينتج عنه رؤية جغرافية كاشفة عن أنماط استخدام الأرض، فيحدد الاستخدام الجيد والرديء ثم يقترح الاستخدام الأمثل الرشيد.
الدراسة الميدانية

وهى دراسة جغرافية تطبيقية تهتم باستخدام الأرض فى مساحة محددة، أى أنها ليست دراسة فى حد ذاتها ولكنها دراسة من أجل هدف جغرافى وهو الوصول إلى الاستخدام الرشيد.

وفيها يخرج الجغرافى إلى المنطقة المراد دراستها حتى يتثنى له الحصول على البيانات وجمع المعلومات من الميدان مباشرة وتعينه على تقصى الحقائق كلها عن أنماط استخدامات الأرض القائمة.
شروط نجاح الدراسة الميدانية:

الجمع بين الدراسة النظرية المكتبية والدراسة الحقلية العملية .

تحرى الدقة فى إجراء الدراسة الميدانية وتحديد كافة الأنماط المستخدمة.

ملاحظة مدى التداخل فى التأثيرات المتبادلة بين الإنسان والأرض.

التحليل والتفسير لكل هذه المشاهدات حتى يتمكن من وضع مقترحاته وتوصياته التى تفيد صانعى القرار.
الاعتبارات الأساسية لإعداد الدراسة الميدانية

أن يكون مفهوم استخدام الأرض واضحاً فى ذهن الجغرافى، ويوفر له الوقت الكافى المناسب لدراسته فى الحقل الميدانى والمراد به منطقة دراسته.

حجم فريق العمل الذى يشاركه الدراسة الميدانية، فمن المعروف أن عمليات رفع استخدامات الأرض لمنطقة ما عملية شاقة ومجهدة، وخاصة إذا كانت مساحة المنطقة المراد دراستها كبيرة، فعليه أن يشكل مجموعة عمل من المتخصصين أو الأقرب إلى التخصص.
مدى ما يتوافر له من إمكانيات تساعده على إنجاز عمله بسهولة ويسر، من ذلك الخرائط كبيرة المقياس والأقلام ودفتر الغيط لكتابة ملاحظاته وما يستجد، ثم مقدار نفقاته خلال قيامه بهذه المهمة.

وهكذا تصعد الجغرافية المعاصرة الاهتمام بالرحلة الجغرافية الميدانية إلى حد كبير وترى هذا الاهتمام بالدراسة الميدانية شيئاً مفيداً يؤهل التوجه الجغرافى إلى التجديد والتجويد بل أنها تتخذ من هذه الدراسة الميدانية المكثفة سبيلاً إلى انجاز البحث الجغرافى .
توظيف الدراسة الميدانية فى استخدام الأرض:
 تتطلب دراسة استخدام الأرض أن يتعامل الجغرافى مباشرة مع الواقع الميدانى، حيث يعالج أنماط استخدامات الأراضى السائدة فى منطقة دراسته التى يراها بعينيه، وذلك حتى يتثنى له تكرين رؤية جغرافية تمكنه من إعطاء الرأى السديد عن مستوى هذا الاستخدام.
  وهذا يستوجب أن تكون الزيارة الميدانية إلى منطقة الدراسة من أجل استخدام الأرض أكثر من مرة، وعلى مستويات متباينة يمكن حصرها فى ثلاث رحلات متباينة.
أولاً الزيارة الميدانية التفقدية:
 إن هدف الباحث الميدانى هو أولاً جمع البيانات والمعلومات التى تهمه من الميدان عن أنماط استخدام الأرض حتى يستطيع أن يحللها ويفسرها فيما بعد، ولكن قبل ذلك ينبغى عليه الإطلاع على المراجع والمصادر والتفرغ للانتفاع بالدراسة المكتبية حتى يهيئ نفسه إلى العمل الميدانى المقبل عليه.
ولعل من أهم أهداف هذه المرحلة هو أن يستوعب الباحث أنماط استخدام الأرض، حتى يتمكن من الاختيار السليم لفريق العمل أو تبديل فرد أو أكثر ووضع الإطار العام والبرامج التي تغطي الدراسة الميدانية عن استخدام الأرض.                                             
   وفى تلك الأثناء يجب وضع برامج تتناول وتعالج استخدامات الأرض وحسن الحكم على أنماطها وتقيمها، فضلاً عن إعداد وتجهيز الأدوات اللازمة لتنفيذ هذه البرامج، ثم فى النهاية توزيع العمل على أعضاء الفريق الميدانى حتى ينفذ كل منهم المهمة المنوط بها.
اختيار أعضاء فريق العمل فى الدراسة الميدانية
هى مهمة الباحث الجغرافى فى المقام الأول، حيث يتولى توزيع المهام على هذا الفريق ، مع مراعاة:
1- وينبغى أن يضم الفريق الذى يشكله الباحث الجغرافى نخبة من التخصصات الجغرافية, فضلاً عن أصحاب التخصصات العلمية الطبيعية والعلمية الإنسانية، ذات العلاقة غير المباشرة لأنماط استخدامات الأرض السائدة.
2- ألا يتخذ شكلاً ثابتاً، بل انه يكون مرناً يتخذ أشكالاً مختلفة تبعاً لأنماط الأرض المتنوعة،و إلى قد تتغير من مكان إلى أخر ومن وقت إلى أخر.
3- تعاون وتشاور الباحث القائد مع أعضاء الفريق وحتى ينجح هذا الفريق فى عمله ويجنى ثمار هذا العمل لابد للقائد الجغرافى رغم مسئوليته الكاملة عن الفريق والنتائج المرجوة من هذا العمل ألا يستبد برأيه.
4- يخيم على الفريق روح التعاون العلمى العملى، حتي يتسنى إنجاز العمل الجغرافي العملي الأنسب.
مسئولية القائد الجغرافى :
1 – تنسيق العمل الجغرافى الميدانى الجماعى، ومتابعة تحركات أعضاء الفريق ومدى تنفيذهم للبرامج الموضوعة بدقة وعناية، والالتقاء بهم فى الميدان أكثر من مرة لإتمام التابعة.
2متابعة النتائج أولاً بأول، ومدى التقدم أو البطيء فى رفع وحصر الاستخدامات الموجودة على أرض الواقع.
3القدرة على التحليل والربط والتفسير، حتى يستطيع أن يكون رؤية جغرافية واضحة عن أنماط استخدام الأرض فى منطقة دراسته.
المنهج الميدانى المتبع فى استخدام الأرض:
1- الاطلاع علي الدراسات المتخصصة وذات الصلة بالموضوع ضمن نطاق التشاور مع أعضاء الفريق.
2- اختيار موعد القيام بالزيارة الميدانية، وعما إذا كانت متقطعة أم مستمرة، ويفاضل بين الخيارات المختلفة، ولا تكون المفاضلة إلا على أسس سليمة ومبررات منطقية، منها مدى مقدرة الفريق على التفرغ للقيام بهذه الدراسة دون موانع. ومدى توافر الامكانات للإقامة المستمرة أو المتقطعة.
3-  أن يوزع العمل الجغرافي العملي الميداني علي عدد من المراحل حتي يتسنى إنجازه علي دفعات متوالية لأن النجاح فى المرحلة الأولى يؤدى إلى النجاح فى المرحلة التى تليها، وهكذا.
4- المسح الجغرافى المنتظم الدقيق لمنطقة الدراسة مع بيان توزيع الاستخدامات المختلفة وتعليل هذا التوزيع، والربط الموضوعي بين مسارات التنوع في الاستخدامات من ناحية، ودواعي التكامل بينها من ناحية أخري.
5- يأتى الاستبيان وهو أحد الطرق الهامة للحصول على البيانات من الميدان ويوفر الكثير من الجهد، وهو عبارة عن عدد من الأسئلة يضعها الفريق المتعاون وتحقق الإجابة عليها جميع الأهداف المطلوبة، ويقوم الباحث بطباعة هذه الأسئلة بالأعداد التى تتناسب مع العينة التى تم اختيارها.
6- وإعداد وتجهيز الأدوات والمعدات التى يحتاجها أعضاء الفريق لإنجاز مهمتهم، تبدأ المرحلة الثانية وهى الزيارة التى تتأكد من خلالها من الحقائق الجغرافية فى الميدان.
ثانياً : الزيارة التى تتأكد من خلالها الحقائق الجغرافية فى الميدان:
 تهدف هذه المرحلة إلى الوقوف على الحقائق الجغرافية عن أنماط استخدام الأرض فى منطقة الدراسة وتحصيل المادة الخام.
 وفى هذه المرحلة ينبغى  أن يتحلى الباحث الجغرافي قائد الفريق وأن يتحلى معه أعضاء الفريق المتعاون، بأكبر قدر مناسب من ذكاء الحس الجغرافي، وسلامة الإدراك الجغرافي، وحصافة التغير الجغرافي، حتى يلتمس وضوح وحسن استيعاب رؤية أنماط استخدام الأرض فى منطقة الدراسة .
فعلى الفريق أن يدرك حقيقة العلاقة المتبادلة بين أرض قابلة للاستخدام وبين إنسان يستخدم الأرض، لذلك يجب أن تغطى الحقائق المستخرجة مستوى هذا الاستخدام فى ظل رؤية جغرافية تربط بين خواص الأرض ومهارة مستخدمها.
 وقد نجد على سبيل المثال أن هناك حاجة إلى إقامة فريق العمل فى قلب منطقة الدراسة سواء كانت إقامة دائمة أو متقطعة وتكون هذه الإقامة في المعسكر، ومباشرة العمل من موقع واحد منتخب أو من عدة مواقع ينتقل فيما بينها هذا المعسكر فى منطقة الدراسة.
وفى بعض الحالات الأخرى قد لا تكون هناك حاجة إلى إقامة مثل هذا النوع من المعسكرات، حيث تكون منطقة الدراسة تضم مستوطنات تصلح لإقامة فريق العمل وينتقل بسهولة من إحداها إلى الأخرى.
وفى هذه المرحلة يتجسد التحرك السليم والبحث الواعى عن المادة الخام اللازمة لوضع رؤية متكاملة عن أنماط استخدامات الأرض منطقة الدراسة. ويتم التأكد من إلقاء الأسئلة والاستفسار عن أنماط استخدامات الأرض وتلقي الإجابات والردود الصريحة من الميدان حتى تكون الجواب صحيح والنتيجة مرجوة.
ويقوم الباحث الجغرافى بدراسة مستويات أنماط استخدام الأرض الاقتصادية والعمرانية والخدمية، لما له من خبرة فى التفسير والتحليل والتركيب ولا يصلح لهذه المهمة غيره، ثم يترك المهام الأخرى لبقية أعضاء الفريق.

وخلال هذه المرحلة يستطيع الفريق أن يميز بين الاستخدام الردئ، أو الاستخدام الجائر، أو الاستخدام المدمر أو الاستخدام التقليدي أو الاستخدام الجامد أو الاستخدام الرشيد أو الاستخدام الجيد أو الاستخدام المتطور وأن  يوفر أو يحقق رأيا سديدا. 

وتتميز هذه المرحلة بسيادة روح الجماعة بين الفريق، فلا ينفرد أى عضو منهم بإجراء العمل الميدانى بمفرده، فضلاً عن المداومة فى حضور جميع الأعضاء جلسات التشاور ومراجعة العمل الميدانى الذى تم إنجازه دون تكتم أو إخفاء.
وعندما ينتهى الفريق من تنفيذ برامج العمل الجغرافى حسب الخطة الموضوعة، ويتأكد الجميع من الوصول إلى الهدف الجغرافى من الدراسة الميدانية تنتهى هذه المرحلة ويتفق الفريق كله على العودة من الميدان.
ثالثاً :الزيارة التى يستوفى فيها جميع ما نقص من بيانات عملية:
 وفى هذه المرحلة يقوم الباحث بتعقب ما نقص من بيانات أو معلومات يستطيع أن يصححها عند العودة إلى الميدان مرة أخرى،حيث يبقي الباب مفتوحا لذهاب الرحلة الجغرافية الميدانية من جديد إلي منطقة الدراسة ( هذه المرحلة ) ، طالما لم تستفد الرحلة الجغرافية الميدانية، كل أغراضها من العمل الجغرافي العملي، عن أنماط استخدام الأرض.

  وهذه المرحلة لا تعنى أن المرحلة السابقة لها مرحلة يشوبها الكثير من الأخطاء وأنه تم التعجل فيها، ولكنها تعنى مرحلة التيقن التام وسد الثغرات وأوجه النقص.
 ويبقي بعد ذلك كله، لإتمام العمل الجغرافي العملي الميداني، حسن العناية بالجوانب التي تعين علي تقويم أنماط استخدام الأرض، وهناك اختلاف بين تقويم استخدام الأرض لحساب الإنتاج الاقتصادى، وتقويم استخدام الأرض لحساب العمران، وتقويم استخدام الأرض لحساب الخدمات، ومع هذا يظل التقويم متوقفاً على مدى طواعية الأرض للإنسان ومدى قدرات الإنسان على التعامل مع هذه الأرض.
الفصل الأول
اعداد /د محمد شوقى ناصف
المدرس بكلية الآداب – قسم الجغرافيا
الجغرافيا ومفهوم استخدام الأرض
مفهوم علم الجغرافيا