الثلاثاء، 20 يناير 2015

البيئات الحيوية على الكرة الأرضية

تقديم:
        توجد على سطح الأرض بيئات حيوية مختلفة ومتنوعة ، ولكنها يمكن أن تقسم إلى ثلاث أغلفة رئيسية وهي الغلاف المائي Hydrosphere والتي سوف نتطرق إليها والغلاف اليابس Lithosphere والغلاف الجوي Atmosphere .
النظم البيئية المائية Aquatic Ecosystem :
البيئات الحيوية على الكرة الأرضية         تغطي المياه حوالي 71 ٪ من سطح كوكب الأرض ، وتعد من أكبر النظم البيئية على الإطلاق . يتم ربط أجزاء المياه مع بعضها البعض من خلال التيارات المائية التي تحدث بفعل الرياح ، واختلاف كثافة المياه بسبب تفاوت درجات الحرارة ، وتركيز الأملاح في المياه . وفي المناطق الساحلية وتتكـون التيارات المائية نتيجة لعمليات المد والجزر الناجمة عن جاذبية القمر وعن طريق عمليات الحمل التي تحدث نتيجة برودة الطبقات العليا ومن ثم هبوطها إلى الأسفل وصعود الطبقات السفلى الأكثر دفئاً ، وتأخذ التيارات المائية اتجاه دوران الأرض . وتوجد ثلاثة أنواع رئيسية من التيارات المائية وهي : التيارات المائية السطحية والتيارات المائية الوسطية والتيارات المائية العميقة .

  ويختلف النظام البيئي المائي عن النظام البيئي البري من عدة جوانب ، ففي حين نجد الرطوبة والحرارة هما العاملان المحددان الأساسيان للنظام البيئي البري ، نجد الأوكسجين المذاب والأشعة الشمسية هما العاملان المحددان الأساسيان للنظام البيئي المائي . ويدخل الأوكسجين إلى النظام البيئي المائي من خلال سطح التفاعل بين الماء والهواء ، حيث يدخل الأوكسجين من الغلاف الغازي إلى المياه إذا كان تركيز الأوكسجين في الغلاف الغازي أعلى من تركيز الأوكسجين في المياه ، ويخرج الأوكسجين من المياه إلى الغلاف الغازي إذا كان تركيزه في المياه أعلى منه في الغلاف الغازي . كما يدخل الأوكسجين أيضاً إلى المياه من خلال عمليات التمثيل الضوئي للنباتات المائية الخضراء والطحالب . وتساعد عملية اضطرام المياه في الشلالات ونشاط الأمواج البحرية على تزايد معدلات نقل الأوكسجين من الهواء إلى المياه .
        هذا وتؤثر معـدلات درجــات الحرارة في معدل كمية الأوكسجين الذائبة في الماء ، فكلما ارتفعت درجة حرارة المياه تناقصت كمية الأوكسجين الذائبة فيه . كما أن ارتفاع درجة حرارة المياه يؤدي إلى تنشيط عمليات تحلل المواد العضوية وبالتالي زيادة استهلاك الأوكسجين والتي قد تصل إلى حد إزالته تماماً مما يؤدي إلى القضاء على الكائنات الحية المـائية الهـوائية وتحـويل عمليات التحـلل الهـوائي إلى تحلل لا هوائي ، ويترتب عليه إطلاق الغازات السامة مثل الميثان (CH4) والأمونيا (NH3) وكبريتيد الهيدروجين (H2S) .

        ويتفاوت معدل درجة حرارة المياه يومياً وفصلياً ، غير أن التفاوت يقل عن تباين درجة حرارة الهواء اليومية والفصلية في النظم الحياتية الأرضية . كذلك تتغير درجة حرارة الماء بمعدلات أقل من تغير درجة حرارة الهواء ، لذا فإن ارتفاع أو انخفاض درجة حرارة الماء يتطلب طاقة حرارية أكبر من تلك التي يتطلبها الهواء .

        وتعد الأشـعة الشمسية أيضاً من العوامـل المحـددة للحـياة النباتية ، لكونها لا تستطيع اختراق عمـق يزيد عن 30 م تحت سـطح المـاء يكفي لعملية التمثيل الضوئي . ولذلك يتركز التمثيل الضوئي في النظـم الحيـاتية المائية ضمن هذا العمق فقط . وتعتمد قدرة الأشعة الشمسية على اختراق المياه على عدة عوامل من أهمها درجة عكورة المياه ، فكلما زادت معدلات العكورة قلت قدرة الأشعة الشمسية على اختراق المياه .

        وتقسم البيئات المائية إلى :
1 ـ   بيئة المياه المالحة ( البحار والمحيطات ) Marin Aquatic Ecosystem:
المحيطات Oceans :
        تغطي محطات العالم 70 ٪ من سطح الأرض وتعد من أقدم وأضخم النظم البيئية على الأرض . للبحار والمحيطات أهـمية كبيرة في البيئة فهي أكبر من النظم البيئية الطبيعية على الإطلاق وتلعب دوراً أساسياً في دورة المواد البيوجيوكيميائية . وتعمل كخزان ضخم لتخزين غاز ثاني أكسيد الكربون والأوكسجين ، وبذلك تدخل في تنظيم مكونات الغلاف الغازي الذي نتنفس منه وتحافظ على الموازنة الحرارية العالية . وتعد البحار والمحيطات مستودعات ضخمة للعديد من الموارد مثل البترول والغاز الطبيعي والرمال وكثير من الخامات المهمة للإنسان . ومن ناحية أخرى تصل إلى البحار كميات كبيرة ومتنوعة من الملوثات التي تشكل خطراً على هذا النظام البيئي المتكامل . وتشمل هذه المحيطات على تشكيلة هائلة من الكائنات الحية التي تتأثر من ناحية الوفرة والتوزيع بالعوامل المختلفة : الضوء ، المواد المغذية ، درجة الحرارة ، حركة المد والجزر ، التيارات المائية . ويختلف تأثير هذه العوامل من منطقة إلى أخرى ، ويمكن تمييز ثلاث مناطق حيوية ابتداءاً من منطقة الساحل إلى عمق المحيط .

1 ـ   منطقة ما بين المد والجزر Intertidal zone :
        وهي المنطقة الساحلية التي تمتد بين أعلى نقطة يصل إليها الماء وقت المد وأدنى نقطة يصل إليها الماء وقت الجزر ولذلك فهي تُغمر بالمياه وتتكشف يومياً . وتكون هذه المنطقة غنية بالأوكسجين الذائب والمواد العضوية وتكثر فيها الحيوانات الحفارة التي تقطن مثل السرطانات والقواقع وبعض الرخويات والديدان في الشواطيء الرملية . وفي الشواطيء الصخرية تعيش الكائنات الحية التي تلتصق بالسطوح مثل الطحالب الخضراء والبنية والحمراء والمحار وغيرها . وتكون الإنتاجية البحرية هنا في أوجها مقارنة بالمناطق الحيوية الأخرى .  

2 ـ   منطقة الجرف القاري Neric zone :
        وهي المنطقة المحصورة بين خط الجزر والحرف القاري ، وأقصى عمق تصل إليه هو 180 م فقط . وتتميز الحياة هنا بتنوعها ووفرتها بحيث تعيش فيها معظم أنواع الأسماك . والإنتاجية هنا عالية نسبياً ويرجع ذلك إلى وفرة النترات Nitrate في هذه البيئة من جهة ( مصدر النيتروجين في عملية التركيب الضوئي ) وضحولة مياهها من جهة أخرى مما يسمح لاختراق الأشعة الشمسية لهذه المياه .

3 ـ   البيئة المحيطية أو أعالي البحار (Open Sea) :
        وتمتد فيما وراء الرصيف القاري وتحتل نحو 90 ٪ من المساحة الكلية للبحار والمحيطات ولكنها تحوي 10 ٪ فقط من الكائنات الحية النباتية والحيوانية . وعلى الرغم من اتساعها إلا أنها غير منتجة نسبياً إذ لا تتوافر فيها المغذيات النباتية ، ولذلك تعد البيئات المحيطة صحاري من الناحية البيولوجية . وبالرغم من كون البيئة المحيطة ذات إنتاجية منخفضة ، إلا أنها تحتوي واحات متناثرة غنية بالحياة البحرية .

        وتشكل الهوائم النباتية Phytoplanktons القاعدة الأساسية للسلاسل الغذائية في المحيطات حيث توجد بلايين الأطنان من هذه الكائنات تتغذى عليها الحيوانات الطافية Zooplanktons والتي يتغذى عليها بدورها حيوانات طافية أخرى ومن ثم تستمر السلسلة الغذائية بأسماك صغيرة فأسماك أكبر وهكذا . وتتميز الحيوانات التي تعيش في المناطق المحيطية بالقدرة على السباحة ، وذلك للبحث عن الغذاء كما تشمل الكثير من التكيفات التي تستخدمها في الدفاع عن نفسها أو في الهجوم على فريستها .

        وتشكّل نسبة الملوحة في مياه المحيطات حوالي 3.5 ٪ وتكون عبارة عن أملاح صـوديوم ومغنيسـيوم وكالسـيوم على هـيئة كلـوريدات وكـبريتات وبروميدات وبايكربونات . ويشكل ملح الطعام حوالي 80 ٪ من الملح الكلي الذائب في الماء ، ونظراً للتركيز الملحي العالي لماء البحر فقد طورت الكائنات البحرية أجسامها فسيولوجياً لطرح الأملاح الزائدة والحفاظ على الأنسجة وسوائل الجسم بتراكيز ملحية مناسبة . فتقوم بعض الأسماك بطرح الأملاح عبر الخياشيم وتحتفظ أسماك القرش بتراكيز ملحية مشابهة لماء البحر وتمتلك العديد من الزواحف والطيور والثدييات البحرية أجهزة بولية أو غُدية لطرح الأملاح ، فعلى سبيل المثال تقوم السلاحف البحرية والعديد من الطيور البحرية بإفراز أملاح عالية التركيز عن طريق الغدة الدمعية ، أي أنها تفرز دموعاً ملحية .

        وتشمل أعمـاق المحيطات الجـرف القاري بمنحدره (Continental Slope) وقدمه القاري (Continental Rise) إضافة إلى الأخاديد البحرية والجبال والسهول .

        ويمكن تقسيم البيئة المحيطة إلى ثلاث طبقات :
1 )    المنطقة المضاءة (Euphotic Zone) :
        وهي الطبقة العليا من المياه التي تدخلها الأشعة الشمسية بتركيزات كافية لأغراض التمثيل الضوئي ، حيث تجد سلاسل غذائية مائية مكونة من الهوائم النباتية والحيوانية والأسماك الصغيرة مثل سمك الهيرنج والسردين (Sardiens) وهي تعيش بالقرب من سطح المياه . كما نجد أيضاً الأسماك الأكبر مثل سمك التونا (Tuna) وسمك السيف (Sword Fish) التي تتغذى على هذه الأسماك الصغيرة .

2 )    منطقة أعماق البحار (Bathyal Zone :
        وتقع تحت الطبقة ( أ ) وهي طبقة مائية أبرد ويصلها الضوء بتركيزات قليلة غير كافية لعملية التمثيل الضوئي .

3 )    منطقة قاع البحار (Bathyal Zone) :
        وهي طبقة مائية تقل فيها حركة المياه ويرتفع الضغط المائي عليها وتصل إلى قاع المحيط وبالتالي تكون مظلمة وباردة جداً قريبة من درجة التجمد . وتعيش في هذه المنطقة كائنات حية محللة من البكتيريا وغيرها وأسماك تقتات على النباتات والحيوانات الميتة والفضلات التي تترسب من الأعلى ، كما تقوم هذه الأسماك بالخروج إلى المنطقة السفلى من طبقة (Bathyal) بحثاً عن الغذاء . ويعيش في الطبقتين الثانية والثالثة نحو 1 ٪ من أنواع الأسماك المعروفة التي لا تشكل مصدراً كبيراً بالنسبة للصيادين بسبب صعوبة صيدها . في سنة 1977م تم اكتشاف نظام بيئي على قاع المحيطات بالقرب من فوهات البراكين والتي تخرج منها كميات كبيرة من غاز كبريتيد الهيدروجين . وفي هذه البيئة الحارة والمظلمة تعيش أنواع من البكتيريا الكبريت تحول (H2S) إلى طاقة تعيش عليها (Chemosynthesis) . وتتغذى على هذه المنتجات ديدان كبيرة الحجم وغريبة الشكل ورخويات وأنواع أخرى من الحيوانات .

2 ـ   بيئة المياه العذبة Limnological Ecosystem :
        تحتل المسطحات المائية العذبة قسماً بسيطاً من الغلاف المائي وتكون غالباً ذات مساحات قليلة ، لذا يكون ارتباطها وثيقاً مع المساحات الكبيرة من اليابسة التي تحيط بها ( يوجد 3 ٪ فقط مياه عذبة في العالم ) . وتعد المسطحات المائية العذبة إلى حد ما نظم بيئية تابعة للنظم البرية بالرغم من وجود حدود واضحة لهذه النظم المائية وهي توجد على عدة أشكال منها :



البحيرات Lakes :
        تتميز البحيرات التي يزيد عمقها عن 15 متراً في أقاليم العروض المعتدلة بتطبق مياهها . إذ تظهر طبقتان من الماء في فصل الصيف واحدة سطحية دافئة تقل كثافة الماء فيها نسبياً ، وأخرى ، سفلية باردة ذات كثافة مرتفعة نسبياً . وتكون الطبقة السطحية أخف بحيث يعلو الماء الدافيء طبقة الماء البارد الأثقل وزناً ، ويحدث اختلاط قليل بين الطبقتين ، كما يكون هنا أيضاً تبادل قليل للغازات بواسطة عملية الانتشار وعمليات تيارات الحمل البسيطة .

        ويطلق على الطبقة المائية العليا اسم الطبقة الدافئة جيدة التهوية Epilimnion فيما تسمى الطبقة المائية السفلى بالطبقة المائية الباردة Hypolimnion . وتسمى المنطقة الانتقالية بين الطبقتين بمنطقة التدرج الحراري Thermocline ، كما يبين الشكل ( 10 ) .

        وتزود الطبقة العليا الدافئة بالأوكسجين من خلال سطح التقابل بين الماء والهواء ومن خلال عملية التمثيل الضوئي التي تقوم بها المنتجات الضوئية . أما بالنسبة للأوكسجين الذائب في الطبقة الباردة السفلى فإنه يتناقص بسبب تنفس الكائنات الحية المائية وتحلل المواد العضوية . وقد يضطر بعض أنواع الأسماك للاستقرار في الطبقة السفلى وبسبب عدم قدرته على احتمـال التغـيرات الفصلية في درجة حرارة الطبقة العليا . وبالطبع فإن تلك الأسماك لن تستطيع الاستمرار في الطبقة السفلى إلا إذا كان هناك مصدر يعوض الكمية المفقودة من الأوكسجين الذاب . وتتم عملية التعويض تلك بواسطة قلب المياه العليا والسفلى في فصلي الخريف والربيع . ففي فصل الخريف يبرد سطح الماء ، ومن ثم تصبح درجة حرارة المياه في الطبقتين وكذلك كثافة الماء متجانسة نسبياً . وبمساعدة الراياح تتكون دورة مائية تعمل على نقل مياه الطبقة السطحية الغنية بالأوكسجين الذائب إلى الأسفل باتجاه القاع ، ورفع مياه الطبقة السفلى الباردة الفقيرة بالأوكسجين الذائب إلى سطح البحيرة . وتسمى عملية القلب هذه بالانقلاب الخريفي Fall turnover ، وتسهم هذه العملية في تعويض الأوكسجين في الطبقة المائية السفلى وجعل معدلاته عند الوضع الطبيعي .


        وخلال فصل الشتاء في أقــاليم العروض الوسطى يتجمد سطح البحيرات . وتتراوح درجة حرارة المياه آنذاك بين صفر مئوي أسفل الجليد مباشرة وأربع درجات مئوية عند قاع البحيرة . ومع حلول فصل الربيع ينصهر الجليد ويصبح الماء السطحي دافئاً . ومع ارتفاع درجة حرارة الماء واقترابها من 4 م° تزداد كثافة الماء السطحي الأدفأ ويزداد وزنه ، ومن ثم يهبط إلى الأسفل باتجاه قاع البحيرات . وبفضل هذه العملية وتحت هذه الظروف يتم قلب مياه البحيرة  رأسياً ، وتساعد الرياح  مرة ثانية ، على حدوث ما يعرف بالانقلاب الربيعي Spring turnover ، وبذلك يتم انقـلاب مياه البحيرات مرتين كل سنة ، وتعد هذه العملية مهمة جداً في تعويض الأوكسجين الذائبة في الطبقة المائية السفلى . ويساعد هذا الوضع على استمرار بقاء الأسماك على قيد الحياة حيث تتطلب بيئة مائية باردة نسبياً وغنية بالأوكسجين الذائب .

        بالإضافة إلى ما سبق تساعد دورة المياه على هذا النحو انتقال المغذيات النباتية (Plant Nutrients) من قـاع البحـيرة باتجـاه السطح مما يزيد من إنتاجية الاشنات والطحالب الخضراء . وتجدر الإشارة إلى أن الأنهار والمجاري المائية عند انصبابها في البحيرات ترسب حمولتها من الرواسب العالقة ، وبالتالي فإن الأنهار التي ترتفع فيها معدلات الرواسب الطينية والغرينية تعمل على ملء قاع البحيرة في زمن قصير .

        وتصنف البحيرات من حيث إنتاجيتها ، أي مقدار الكائنات الحية التي يمكن أن تعيلها إلى :
1 ـ   بحـيرات ذات إنتاجيـة قليلة (Oligotrophic lakes) ، بسبب قلة المغذيات النباتية من فوسفور ونيتروجين ، لذا تكون فيها أعداد الكائنات الحية المنتجة قليلة ، وتكون درجة تشبع المياه بالأوكسجين المذاب أكثر من 70 ٪ .
2 ـ   بحيرات ذات إنتاجية متوسطة (Mesotrophic Lakes) ، وتحوي تركيزات متوسطة من المغذيات النباتية ونجد فيها أعداداً متوسطة من الكائنات الحية المنتجـة ، وتتـراوح درجـة تشـبع الميـاه بالأوكسـجين المـذاب ما بين 30 ٪ ـ 70 ٪ .

3 ـ   بحيرات ذات إنتاجية عالية (Eutrophic Lakes) ، وتحتوي تركيزات عالية من المغذيات النباتية ونجد فيها أعداداً من الكائنات الحية المنتجة ، وتتراوح درجة تشبع المياه بالأوكسجين المذاب دون 30 ٪ .
4 ـ   بحيرة هرمة (Senescent Lakes) ، وتحوي على ترسبات سميكة من المواد العضوية ، وتنمو بها نباتات مائية نصف مغمورة بكثافة عالية . وتتحول هذه النوعية من البحيرات مع الزمن إلى المستنقعات وكمية الأوكسجين قليلة جداً .

        وينشأ معظم البحيرات بحيث يكون غير قادر على توفير الغذاء للكائنات الحية المنتجة وبالتالي للكائنات الحية المستهلكة ، ولكنها تتحول بالتدريج إلى بحيرات منتجة بسبب الرواسب التي تجلب معها المغذيات النباتية . وعند ذلك ومع تزايد موت النباتات المائية وكمية الترسبات القادمة إليها بفعل عوامل التعرية تزداد رواسب قاع البحيرة تدريجياً ، ومن ثم تموت أسماك المياه الباردة وتسود أسماك المياه الدافئة مثل سمك القاروس (Bass) ، وفي نفس الوقت يزداد زحف النباتات المائية الجذرية في المناطق الضحلة من البحيرة ، ويستمر هذا الوضع حتى تتحول البحيرة إلى منطقة مائية ضحلة أو بمعنى آخر تتحول إلى مستنقع .

        ويعتمد تحول البحيرات إلى مستنقع على مساحة البحيرة وعمقها وعلى طبيعة التربة في الأحواض المائية التي تصب فيها والتغيرات المناخية واستعمالات المياه لآلاف من السنين . وتزيد الأنشطة البشرية من معدلات تعرية التربة وانجرافها إلى البحيرات وبالتالي المساهمة في تحويل البحيرات أو السدود المائية إلى مستنقعات .

الأنهار (Rivers) :
        بالمقارنة مع البحيرات فإن الأنهار أقل عمقاً وتياراتها أكثر اضطراماً ، ولهذا تنكشف مياه النهار بمعدلات أكبر للهواء ، كما أن معدلات الأوكسجين الذائب في مياه الأنهار تكون متجانسة نسبياً على طول النهر وأعماقه المختلفة . ولا يعد مقدار الأوكسجين الذائب من العوامل المحددة في البيئات النهرية إلا إذا دخلت المجاري المائية كميات كبيرة من المواد العضوية القابلة لتحلل .

        ومن العوامل المحددة الأساسية في البيئة النهرية اختلاف سرعة تيار الماء من جزء لآخر من النهر ، ففي المنابع تكون القنوات المائية ضيقة وشديدة الانحراف وتظهر الشلالات والمسارع التي تعترض المجرى النهري ، وعليه فإن الأحياء المائية في هذا القطاع تكيفت بأساليب معينة تمكنها من الاستمرار والبقاء ضمن اضطراب التيار المائي إذ تميـل الأحــياء المـائية إلى الالتصـاق بصخـور النهر كالطحالب الخضراء . وتتكيف بعض الكائنات الحية لتلك الظروف بتكون أجهزة امتصاصية (Suction devices) تساعد على ثباتها مثل أفـراخ الضفـادع ويتميز البعض الآخر ببطون لاصقة تساعدها على الالتصاق بالصخر مثل القواقع .

        وفي المجرى الأسفل تختفي المسارع ، وتقل سرعة التيار المائي ، وتزداد المجاري المائية اتساعاً ، وتظهر الرواسب في القاع ، وترتفع معها إنتاجية البيئة ، وتظهر أنواع مختلفة من الأسماك . كذلك تكثر في هذا القطاع من النهر النباتات الطافية التي لا تحتمل التيار المضطرم في المجرى الأعلى .

        ومن الجدير بالذكر أنه لا تتواجد الطحالب والنباتات الجذرية بكثرة في البيئة النهرية مما تترتب عليه قلة المصادر الغذائية بالمقارنة مع المستهلكات ، ونتيجة لذلك تعتمد المستهلكات على الوارد من الموارد العضوية ، التي تأتي للنهر من البحيرات والأراضي المجاورة التي تتصرف مياهها إلى النهر . كذلك يساعد الجريان السطحي على تزويد البيئة النهرية بالمغذيات النباتية اللازمة لرفع إنتاجية الكائنات النباتية .

        وتعتبر الأنهار من المواضع التقليدية للتخلص من النفايات ، دون الأخذ بعين الاعتبار تأثير تلك النفايات في التجمعات الحياتية النهرية ، وقد أدى هذا الوضع إلى تدهور نوعية المياه وتلوثها على طول مئات الكيلومترات من الأنهار ، كذلك ، وكنتيجة لتغير الظروف البيئية ، تغيرت التجمعات الحياتية في بعض الأنهار وتم إحلالها بأنواع أخرى . وأياً كان الأمر فإن استمرار التطور الصناعي ، وتركز المجمعات الصناعية على الأنهار ، واستمرار تصريف مياه المجاري في المناطق الحضرية إلى الأنهار سيؤدي إلى استمرار الضغوط البيئية على النظم الحياتية .


المصبات Estuaries
        تعد المصبات أجساماً مائية يختلط فيها الماء العذب القادم من اليابسة مع ماء البحر ويحـدث له تخفيفاً في نسـبة الملوحة . لذا فهي انتقالية بين المياه العذبة والمياه البحرية المالحة مما يجعلها بيئة ذات ميزات خاصة . وتتصف الكائنات الحية التي تعيش هنا على أنها قادرة على تحمل التغيرات التي تطرأ على درجة حرارة المياه ودرجة ملوحتها ومعدل تركيز الرواسب العالقة فيها ، حيث المياه هنا ديناميكية  وغير مستقرة .

        وأهم ما يميز المصبات أن مستويات المواد الغذائية عالية ، نتيجة غسل المواد العضوية والمواد الكيميائية الزراعية من الأراضي المجاورة إلى المصب ، والتي تهيء بدورها وسطاً مناسباً لنمو النباتات ، خصوصاً أن المياه عادة ليست عميقة وتستطيع الشمس اختراقها وبالتالي تكون ذات إنتاجية عـالية . وابرز نباتاتها : النباتـات الطافية ( عبارة عن طحالب دقيقة في المنطقة المضاءة ) ، والنباتات الوعائية ( تكون على شكل أعشاب مغمورة ذات جذور ملتصقة بالقعر ) والنباتـات المعلقة ( عــبارة عن طحالب دقيقة متعلقة بأوراق وسيقان نباتات أو أي مواد عالقة أخرى ) . وتسود المجتمع الحيواني للمصب مجموعات حيوانية قاعية من السرطانات والمحارات والديدان الحلقية ، وفي الماء الأوسط تتواجد قناديل البحر والأسماك . وهناك الأسماك التي تميل للحياة البحرية طيلة فترة حياتها لكنها تتناسل وتتكاثر في المصبات أو المياه العذبة ، وهي تمثل أنواعاً مهمة من الناحية التجارية . وقد تدخل أسماك القرش والدلفين إلى المصبات بشكل موسمي للحصول على الغذاء .

المستنقعات Swamps 
        وتتكون المستنقعات نتيجة لإحدى العوامل التالية :
1 ـ   تجمع الأمطار الكثيفة على سطح الأرض .
2 ـ   تدفق المياه إلى سطح التربة وخصوصاً في المناطق القريبة من المياه الجوفية .
3 ـ   الترسبات العضوية وغير العضوية في البرك والبحيرات .

        ومن أشهر النباتات الزراعية التي تعيش في المستنقعات الموجودة في المناطق المعتدلة والحارة الأرز ، الذي يشكل مادة غذائية أساسية لكثير من شعوب العالم . كما تعيش نباتات طبيعية حول المستنقعات مثل القصيب وأنواع من الشجيرات والأشجار . وتلعب نباتات المستنقعات دوراً مهماً في تصنيع الورق حيث تحتوي على نسبة عالية من السليلوز . وتتميز إنتاجية المستنقعات بأنها عـالية نظراً لاحتوائها على الكثير من المـواد العضوية وبسبب التهوية العـالية للجذور حيث أن جذورها ليست عميقة في التربة .

        وتتجمع المواد العضوية وبخاصة الناتجة عن النباتات على سطح التربة تحت المياه مكونة مادة الحث Peat وهي مادة إسفنجية تحتوي علي الكربون بنسبة 55 ٪ وتستعمل في بعض المناطق كمصدر للطاقة ، ويكون لها أهمية بيئية إذا تراكمت عبر الأزمان الجيولوجية حيث تحفظ بين طبقاتها العديد من الحفريات Fossils التي تعبر عن المجتمعات القديمة . وتعيش في المستنقعات أنواع عديدة من الحشرات ، التي قد تكون ضارة ، كالبعوض كما وتتواجد السحالي والضفادع والتماسيح والأفاعي المائية الضخمة . وتعيش حول مستنقعات المناطق الباردة أصناف عديدة من الأسماك والطيور والحيوانات البرية التي تشكل مصدراً بروتينياً جيداً .

        هذا وقد اختفت مساحات واسعة من أراضي المستنقعات في مختلف دول العالم بسبب تجفيفها للاستفادة منها في الزراعة بينما تنبهت بعض الدول المتقدمة إلى دور المستنقعات في البيئة فعملت على حمايتها ومنعت تجفيفها .

العوامل التي تؤثر في التوزيع الجغرافي للأحياء البحرية :
على الرغم من أن المسطح المائي يمثل سطح متجانس تقريباً تبقى عدة عوامل لها :
1 ـ   االتيارات البحرية :
        إن الأسباب الرئيسية لحركة المياه في البحار والمحيطات ترجع إلى :
1 ـ   التسخين غير المتساوي .
2 ـ   الرياح وهي نتجت بحد ذاتها من التسخين غير المتساوي التي تعمل على سطح الماء .
3 ـ   احتواء المحيطات كتل اليابسة وبسبب تدخل كتل اليابسة فلا تستطيع التيارات البحرية تجري لمسافة طويلة وحول العالم فيما عدا المنطقة القطبية الجنوبية .

        وهناك نظامين أساسيين يجب أن يُركبان ، أحدهما فوق الآخر وهما : النظام الذي ينتج مباشرة من خلال تسخين غير متساوٍ في الوقت الذي تسخن فيه المياه عند خطوط العرض القريبة من خط الاستواء . فتصبح أقل كثافة وتنتشر فوق السطح صوب القطبي الجنوبي والشمالي وتبرد هذه المياه أثناء انجرافها صوب القطبين وتغور في نهاية المطاف وبهذه الطريقة تتكون خلية حمل حراري عملاقة .

        بينما تتدفق المياه السطحية التي تغور عند القطبين صوب خط الاستواء على طول السطح ، إضافة على هذا التدفق الأساسي صوب القطب تنتج الرياح السطحية بالاتحاد مع وضع الكتل اليابسة نظاماً مختلفاً وتكون التيارات السطحية نتاجاً لهذين الدفقين وبما أن التأثير الأعظم يعود لحد بعيد إلى الرياح .

        وعندما تتعامل الكتل المائية المختلفة الخصائص مثل الحرارة والملوحة تحدث اضطرابات في الغلاف الجوي بين كتلتين هوائيتين مختلفتين ، مما يخلق جبهة هوائية لها نتائج كثيرة . كذلك يحصل في المسطحات المائية . فتصعد المياه الحارة وتنزل المياه الباردة مما يؤدي إلى حدوث دوامات تنتج مناطق ذات وفرة بالحياة النباتية والتي جلبتها التيارات وصبتها في هذه المنطقة . أي تصبح منطقة تجمع لأنواع مختلفة وهكذا تجذب الحيوانات الأكبر للحصول على الغذاء لذلك أصبحت مصائد هامة للأسماك .

الضوء :
        لقد ركزنا على الضوء عندما تكلمنا عن عناصر المناخ في الفصول السابقة ، تأخذ المنطقة الاستوائية أكثر كمية للضوء من غيرها بسبب تعامد الشمس عندما تتحرك ظاهرياً إلى خط 23 شمالاً وجنوباً . لذلك تكتسب هذه المنطقة أكثر كمية من الضوء وهو يخترق أكثر الأعماق ضمن حدود هذه المنطقة وذلك أصبحت المنطقة ذات تركز أحيائي عالي .
3 ـ درجة الحرارة :
        تتأثر درجة الحرارة في الماء باختلاف الأعماق والموقع بالنسبة لدوائر العرض لذلك فالمناطق التي تسقط أشعة الشمس عليها عمودياً تأخذ حرارة أكثر وهذا ما يحدث في المناطق الواقعة بين المدارين . وتقل النسبة كلما ابتعدنا نحو الشمال والجنوب باتجاه القطبين . وهذا التباين يؤثر في التوزيع للأحياء . كما انه يؤثر على تكاثر الأحياء . فالدفء ينشط هذه العملية فيزداد النمو في المناطق الحارة . يتحدد وجود الكائنات إلى انتمائها إلى مناخها القديم . لذلك كانت الشعاب المرجانية تعيش ضمن دائرة عرض 30 شمالاً وجنوباً بإستثناءات بسيطة في مناطق قطبية ويرجع هذا إلى انتمائها لمناخ حار مع درجة التغيرات التكيفية خلال الفترة التي مرت عليها .

        إن التغيرات الفصلية على مدار السنة بسبب اختلاف درجات الحرارة في المياه يؤثر على توزيع الأحياء وتكاثرها . ففصل الربيع بالمناطق المعتدلة سواء كانت شمال الكرة أو جنوبها هو موعد تجدد مياه البحر حيث ينتشر الدفء . فتبدأ النباتات البحرية في التكاثر بسرعة وتعطي مساحات واسعة من الدياتومات والبلانكتون النباتي وهذا يؤدي إلى تكاثر البلانكتون الحيواني وهذه الأخيرة تجلب الأحياء التي تتغذى عليها . ويصعد بيوض وأفراخ هذه الكائنات إلى الأعلى حتى تقضي فترة حياتها الأولى .

        وبسبب تجانس المسطح المائي أصبحت حيوانات القاع تعيش في ظروف مشابهة من حيث الضوء ودرجة الحرارة . وتحصل على غذائها مما يسقط من كائنات أعلى منها . لذلك تتشابه الحيوانات في كافة أنحاء العالم المائي .



المراجــــــــع



غرايبه ، سامح / الفرحان ، يحي ( 2000م ) . المدخل إلى العلوم البيئية ، دار الشروق ، عمان ، الأردن .
حـاتوغ ، عليـاء / أبو ديه ، محمـد ( 1996م ) . علم البيئة ، دار الشـروق ، عمان ، الأردن .
الغريري ، عيد العباس / الصالحي ، سعدية ( 1998م ) . جغرافية الغلاف الحيوي ( النبات والحيوان ) ، دار صفاء ، عمان ، الأردن .
نحال ، إبراهيم ( 1988م ) . أساسيات علم البيئة وتطبيقاتها ، جامعة حلب ، كلية الزراعة ، حلب ، الجهورية العربية السورية .
المرسي ، علي / الشاذلي ، محمد ( 1420هـ ) . علم البيئة العام والتنوع البيولوجي ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، جمهورية مصر العربية .
أبو الفتح ، حسين ( 1991م ) . علم البيئة ، جامعة الملك سعود ، عماد شؤون المكتبات ، الرياض ، المملكة العربية السعودية . 
أبو سمور ، حسين ( 1999م ) . الجغرافيا الحيوية ، دار صفاء ، عمان الأردن .
الخفاف علي / الشلش ، علي ( 2000م ) . الجغرافيا الحياتية ، دار الفكر ، عمان ، الأردن .