السبت، 17 يناير 2015

المدينة :التعريف،المفهوم والخصائص





الــمقــدمــة:
       للمدينة ذاكرة مجسمة تغوص في المستقبل مثلما تغوص في الماضي رغم أنها دائما تعبر عن الواقع الحاضر،"أركيولوجية المدينة"تتمثل في هذه الطبقات الزمنية التي تتحول إلى واقع مادي يجعل من المدينة عبارة عن حلقات متداخلة ومتراكمة يصعب تفكيكها لكنها تبث داخلنا "الحس الزمني"بكثافة، حتى أننا لا نجد سجلا بصريا بالغ الدقة يضاهيها فهو سجل متحرك يقبل الجديد دائما ، فكل حلقة جديدة تزيد من التداخل الزمني في المدينة وتثري فيها التفاصيل الدقيقة إلى درجة أنها تمثل "السجل الاجتماعي"الذي يقدم العلاقات البينية الغير مرئية وبصورة بصرية ساكنة ظاهرا ومتحركة ومتغيرة في الداخل.
المدينة التعريف والمفهوم والخصائص
     إن المدينة تعيش "هويات متعددة"نابعة من هوية كلية هي الذاكرة الثلاثية الأبعاد "زمنيا"، إلا أننا نشعر بذلك الخط الذي ينقلنا داخل جدار الزمن ، ليذكرنا كيف تشكلت المدينة نتيجة تراكم الأحداث ويقول لنا أن المدينة"حالة إنسانية طبيعية" طالما أن الإنسان دائم الحركة والتغيير وفي حالة بحث دائم عن "عمارة جديدة للأرض" الأمر الذي يفرض عليه البحث عن تقنيات جديدة باستمرار.
    الإشكالية هي عندما يحدث خلل في التركيبة الزمكانية للمدينة وتصبح الحالة المشوهة هي السائدة ، فنحن لا نستطيع أن ننكر أن المدينة العربية المعاصرة ترزح تحت ضغوط حضرية تجعلها في حالة فقد دائم للكثير من المكتسبات الحضارية ، الأمر الذي يدفعها إلى المزيد من التشوه وفقد القيمة الجمالية والتاريخية التي يفترض أن تعبر عنها هذه المدن، حتى أنها صارت تفقد مخزونها التاريخي نتيجة لتقليدها للغرب وفي نفس الوقت لم تستطع اللحاق به، وكثير من أجزاء المدينة القديمة تتوارى يوما بعد يوم تحت ضغوط "التمدن"، دون الشعور بمسئولية أن المدينة هي فضاء للحياة ولا يمكن التفكير في قلب المدينة كمتحف يجب المحافظة عليه بل يجب المحافظة على مساره الزمني ومن طبائع المدن أنها تحتفظ بكل حلقاتها الزمنية .
       وقد حدث انفصال عميق بين العمارة وبين من يصممها ومن يستخدمها وهو الأمر الذي جعل من المدينة العربية على وجه الخصوص تقع تحت ضغوط التحضر الذي فرضه النمو السكاني والذي أصبح ظاهرة عالمية بعد الحرب العالمية الثانية ، وبذلك فقد المحيط العمراني مقدرته على توصيل حس المشاهدة وسقط في دائرة الفوضى التي جعلت العمارة مجرد وظيفة نتيجة لهذه الفوضى الحضرية.
       ولقد نشأت المدن نتيجة الرغبة في التعايش كمجموعات بالنسبة للأفراد ،ولتحقيق الاستقرار الذي كان يحاول الإنسان القديم جاهدا الحصول عليه، فمن الريف والصحراء والغابات ، بدأ ينتقل تدريجيا للوصول إلى مفهوم جديد للتعايش، يضمن استقراره، ويحقق له في نفس الوقت الحماية من كل المؤثرات الخارجية ، فكان تخطيط المدن القديمة ينطلق من نوعين :التخطيط الدائري والتخطيط ذو المحاور المتعامدة أنظر الشكل-1-.ولقد وجهت الدراسة دائما الباحثين للسؤال:متى وأين وتحت أي ظروف ظهرت هذه المدينة وماذا أسهمت به في تاريخ المنطقة أو العصر؟وهل هناك نمو تطوري أو دوري في التاريخ الإنساني مرتبط بظهور المدن أو نموها ؟ إن قيام المدن ونموها مسألة يصعب أن نتتبعها بدرجة ملحوظة لأسباب عديدة، ومما لاشك فيه أن المدن انبثقت تعبيرا عن ظروف روحية ومادية واجتماعية وسياسية ، وانعكست هذه الصور على تغير المدن ونمو العمارة ، وأكد بارنز:"أن العمارة هي سجل لعقائد المجتمع"، ويقصد بنشأة المدن:"هي مرحلة المدينة في فجر قيامها"، وتتميز بانضمام بعض القرى لبعضها البعض، واستقرار الحياة الاجتماعية إلى حد ما ،وقد قامت المدينة في هذه المرحلة بعد اكتشاف الزراعة وقيام الصناعات اليدوية.       شكل -1- نشأة المدن



*المدينة(المفهوم والتعريف والخصائص):

*مفهوم المدينة: إن المدينة خلاصة تاريخ الحياة الحضرية ، فهي الكائن الحي كما عرفها لوكوربزيه ، فهي الناس والمواصلات وهي التجارة والاقتصاد، والفن والعمارة،والصلات والعواطف، والحكومة والسياسة،والثقافة والذوق، وهي أصدق تعبير لانعكاس ثقافة الشعوب وتطور الأمم ، وهي صورة لكفاح الإنسان وانتصاراته وهزائمه ، وهي صورة للقوة والفقر والحرمان والضعف .

*تعريف المدينة: بالرغم من كثرة العلماء المهتمين بتعريف المدينة إلا أنهم لم يعطوا تعريفا واضحا لها ،ذلك أن ما ينطبق على مدينة لا ينطبق على أخرى ، لأنها عرفت باختصاصات متعددة حسب وجهة نظر كل عالم ، فمنهم من فسر المدن في ضوء ثنائيات تتقابل بين المجتمع الريفي والحضري، ومنهم من فسرها في ضوء العوامل الايكولوجية، ومنهم من تناولها في ضوء القيم الثقافية:
  *إحصائياً:  تشير الإحصائيات إلى أن كثافة أكثر من 10000شخص في الميل المربع الواحد تشير إلى وجود مدينة بحسب رأي مارك جيفرسون، ومن مصلحة الإحصاء في جامعة الإسكندرية تعرف المدينة بأنها تعتبر من الحضر والمحافظات والعواصم المراكز، ويعتبر ريفا كل ما عدا ذلك من البلدان.
  *قــانونـياً: هي المكان الذي يصدر فيه اسم المدينة عن طريق إعلان أو وثيقة رسمية.
  *حجمــياً: فقد عرفت المدينة في ضوء عدد السكان ولقد أجمعت بعض الهيئات الدولية على أن المكان الذي يعيش فيه أكثر من 20000 نسمة فأكثر يعتبر مدينة ، أما في أميركا فقد أعتبرت أكثر من 2500 نسمة يشكلون مدينة، أما في فرنسا فأكثر من 2000 نسمة يحددون مدينة، وكذلك في القطر السوري فإنهم يعتبرون 2000 نسمة تشكل مدينة .
 *إجتماعياً: المدينة ظاهرة إجتماعية، وهي ليست مجرد تجمعات من الناس برأي روبرت بارك مع ما يجعل حياتهم أمرا ممكنا، بل هي اتجاه عقلي ن ومجموعة من العادات والتقاليد إلى جانب تلك الاتجاهات والعواطف المتأصلة في هذه العادات والتي تنتقل عن طريق هذه التقاليد، وهي في النهاية مكان إقامة طبيعي للإنسان المتمدن ،ولهذا السبب تعتبر منطقة ثقافية ، تتميز بنمطها الثقافي المتميز.
  *وظيـفيـاً:  لا يوجد للمدينة وظيفة واحدة بل لها عدة وظائف:
                 - فهي وحدة عمرانية ذات تكامل وظيفي، فهي لا تشمل قطاع الزراعة فحسب (كما في الريف) بل تتعداه للصناعة والتبادل التجاري والصناعات الثقيلة، وتجارة القطاعين الخاص والعام، والحرف وكل ماله علاقة بوصول تطورها إلى العالمية، وتسمى هذه الصناعات بالصناعات الحضرية.
                - ويصف ديكنسون المدينة بأنها محلة عمرانية متكدسة، يعمل أغلب سكانها، بحرف غير زراعية كتجارة القطاعي والصناعة والتجارة .
                - أما د.عاطف غيث فيعرف المدينة على أنها المكان الذي يعمل أغلب سكانه في مهن غير زراعية ، وما يجعل المدينة شيئا محددا ،هو ذلك التكامل الوظيفي لعناصرها المختلفة على هيئة وحدة كلية.
  *تاريــخـياً: وعرف ممفورد المدينة بأنها حقيقة تراكمية في المكان والزمان ،ويمكن استقراء تاريخها من مجموعة التراكمات التاريخية، والأخذ بالمبدأ التاريخي الذي يقول أن المدينة تاريخ قديم ، وأن التعرف عليها يتم من خلال الشواهد العمرانية القديمة، وبالتالي فإن الحكم عليها من هذا المنطلق غير مقبول .
  *موقــعيـاً: تنشأ المدن في مواقع مختارة تتمتع بأفضليتها عن سواها من المدن ،ويرى الجغرافيون أن المدينة حقيقة مادية مرئية من اللاندسكيب ، يمكن تحديدها والتعرف عليها بمظهر مبانيها وكتلتها وطبيعة شوارعها ومؤسساتها وكذلك تفردها بخط سماء مميز Urban Profile.
 وهناك نقاط علام جغرافية وعمرانية تحدد مفهوم المدينة موقعيا ، فالنقاط الجغرافية:
    - نقاط جغرافية بيئية(خطوط الساحل، بحر، سلسلة جبال، أنهار وتلاقي فروع).
    - عقد تلاقي طرق النقل(مواصلات، سكك حديد، سيارات).
    - نقاط إستراتيجية تجمع بين مزايا البر والبحر(أنفاق ومواقع نقل جوي وبحري وضائق).
أما نقاط العلام المميزة عمرانيا ومعمارياً ،مثل تعريف توماس وكوين :
    - وجود المباني المرتفعة والمتقاربة والمنازل ومكاتب الإيجار  – عادات وتقاليد أهل الريف.
    - كثرة وكثافة السكان العالية.                                   – المهن والحرف المتعددة.
    - الهيئات الاجتماعية الغير موجودة في الريف.             – تميز المدينة بالحركة.
    – تعقد الحياة والروابط بين سكان المدينة والمدن الأخرى. – تعدد الأقليات في المدينة.
-         المدينة مركز إشعاع ثقافي وفني وعلمي.
 وأخيراً هناك تعريفات متعددة للمدينة أذكر بعضها:
   - امتداد القرية على افتراض أن هناك تدرج مستمر بين ما هو ريفي وبين ما هو حضري.
   - مجتمع محلي يتميز بمجموعة مركبة من السمات التي يمكن إدراكها.
   - عرف وورث المدينة بأنها المركز الذي تمتجانسة،تأثيرات الحياة الحضرية إلى أقصى جهات الأرض، ومنها أيضا ينفذ القانون الذي يطبق على جميع الناس.
   - المدينة هي تجمعات سكانية كبيرة وغير متجانسة ، تعيش على قطعة أرض محدودة نسبيا، وتنتشر منها تأثيرات الحياة الحضرية المدنية ، ويعمل أهلها في الصناعة والتجارة والوظائف السياسية والاجتماعية.
   - وهي وحدة جغرافية مساحية يعيش فيها عدد كبير من السكان، تتباين مستوياتهم الاقتصادية والاجتماعية، ويترافق مصطلح المدينة مع مفهوم الحضر والتحضر، حيث أنهم أوجدوا المفهوم بابتعادهم عن الريف، والأعمال الزراعية، وأصبحت المجالات الصناعية رفيق التطور والمدنية.

*سمات المدن:
     تمثل كل مدينة ظاهرة فريدة لاتتكرر، وبالتالي فمن الصعوبة تحديد سمات للمدن، إذ تفسر كل مدينة في ضوء ظروفها التاريخية وعوامل نموها، وقد حدد لويس خصائص التحضر في مقالته الشهيرة :"التحضر كأسلوب للحياة Urbanism as a way of life"- الحجم ،الكثافة و اللاتجانس، فترتبط هذه العناصر فيما بينها ارتباطا وثيقا مما يؤدي لوجود تجمع من الناس يتسم بكبر الحجم وشدة الكثافة واللاتجانس،وربما كانت خاصية التمايز واللاتجانس الاجتماعيين أبرز ما يميز الطابع الحضري نظرا لما تتصف به المدينة من اختلافات شديدة من حيث المهن والمراكز الإجتماعية والإقتصادية، يجعلنا نقول أن المدينة هي مكان يعمل سكانه في أغلب المهن ما عادا الزراعة وهي بيئة صناعية يتزايد تحكم الإنسان فيها وبحياته ووقته وإنتاجه.
     *ومن السمات العامة للمدن:
        1- المــهنـة:  تخصصت في :الوظائف الإجتماعية:(دفاع،دين،ثقافة،إدارة،ترفيه).
                                            الوظائف الاقتصادية:(تجارة، صناعة، إنتاج، خدمات).
      وينتج عن ذلك أن المدينة تنقسم إلى مواقع ومناطق مميزة، فهناك أقسام للسكن، وأقسام للتجارة، وأخرى للصناعة، ورابعة للنزهة والترفيه، وينقسم السكن إلى مناطق للطبقات الفقيرة، المتوسطة والغنية.
       2-المظاهر الثقافية: تمتاز المدينة بأنها كبيرة ومتنوعة وبها ميادين فسيحة وم، وبالتاليما ومعارض ومتاحف ومقاهي، وفي العمارة ترى العمارة الحديثة إلى جوار المبنى القديم ، وحي الأغنياء ملاصقا لحي الفقراء، كل هذه الأضداد مجتمعة في المدينة وهي بوتقة تختلط فيها الأجناس والثقافات ، وهي تسمح وتشجع تأكيد الفروق الفردية باستمرار، وللناس فيها طبائع متباينة بعضها ريفي والآخر مستورد من الخارج.
     3- الإنسان الحضري: مع نمو حجم المدينة يقل معرفة الفرد بالآخرين معرفة شخصية،وبالتالي تصبح العلاقات الاجتماعية سطحية ومؤقتة، ولا يتصف إنسان المدينة بالتنقل، ولا يقف موقفا جامدا إزاء التقاليد.
     4- التشريعات القانونية: تبرز هذه التشريعات للضبط الاجتماعي في المدينة لتحل محل طاعة التقاليد، وذلك بصفتها وسيلة أساسية لتنظيم علاقات سكان المدن وحياتهم الاقتصادية.
     5- إمتداد حدود المدينة للخارج: لا تقف المدينة عند حدودها المحلية، بل تمتد خارج حدودها وتؤثر وتسيطر على المناطق التي تقع خارج هذه الحدود .
 ومن خصائص المدن عند تطبيق شروط الظاهرة الإجتماعية عليها:
·        تمتاز بأنها ذات طبيعة إنسانية بثلاث طبائع(حيوية، نفسية واجتماعية).
·        المدينة تلقائية النشأة ، حيث تكون في البداية مجموعة متناثرة من المنازل التي بنيت لمجرد الإيواء، ثم تتجمع لتعطي القرية،وتتسع القرية نتيجة للتزايد السكاني وتنوع حرفهم ويزداد الدخل القومي في القرية لتتحول لمدينة صغيرةTown وعندما تتوافر فيها المصانع ووسائل المواصلات والخدمات تنمو لتصبح مدينة رئيسيةCity وهذا يعني أن المدينة كظاهرة إجتماعية ليست من صنع أفراد ،ولكنها من صنع لمجتمع ،وبوحي من العقل الجماعي .
·        المدينة ظاهرة عامة منتشرة في كل المجتمعات، وتفرض نفسها على سائر أنحاء المجتمع.
·        تمتاز المدينة بموضوعيتها وشيئيتها،أي أن معرفتنا بها تستمد من الواقع فلكل مدينة تراث اجتماعي .
·        تمتاز المدينة بالترابط، بمعنى أنها تتصل بأجزائها عن طريق المواصلات المختلفة، على إعتبار أن النظام السياسي في المدينة مثلا يرتبط بالأنظمة التعليمية والاقتصادية والدينية وحتى النظام الأسري.
·        تتزود المدينة بصفة الجبر والإلزام، فالأفراد ملزمون بالحياة فيها عندما تكون لديهم الرغبة بالإستمتاع بمظاهر الحياة الحضرية الراقية والتعليم والترفيه.
·        تمتاز المدينة بصفة الجاذبية.

*تصنيف المدن:

تعتبر المدينة بصفتها نموذج لمجتمع حضري ظاهرة قديمة، وهي تعتبر كذلك انعكاسا لتزايد التعقد الإجتماعي ، واستجابة لظروف إجتماعية وثقافية وجغرافية، وقد انعكس هذا على أساسه االوظيفي الذي يختلف بإختلاف الزمان والمكان، فوظائف مدينة 1950 تختلف عن وظائف مدينة 2000، بالرغم من احتفاظها بالمكان الذي تقوم فيه ، وعلى ضوء هذا يتبين صعوبة تصنيف المدن ، ومع ذلك ظهرت بعض التقسيمات:  أولا:تقسيم المدن من حيث الحجم:
           يعتبر هذا التصنيف أبسط هذه التصنيفات ،ويستخدم عند التفرقة بين الحضر والريف فقد أوضح مان Mannالاختلاف بينهم ،وقد قسم دنكان Dunkan وريس Reiss المدن الأميركية إلى 11 نموذجاً حسب حجمها، وقسم فيليب هاوز Hauser المدن إلى ما قبل صناعية وصناعية ومتروبوليتانية.
         ومن تلك التقسيمات التي تضع الحجم معياراً للتقسيم:
-         المدينة الصغيرة(Town):وهي البلدة أو المدينة الصغيرة التي تتميز عن الوحدات الصغرى(القرى)والوحدات الكبرى(المدن)، وهي تتمتع بموقع حضري يسيطر على المنطقة الريفية ، وكما تتمتع بأهمية ثقافية كبيرة ،وتمارس المدينة الصغيرة التجارة البسيطة الداخلية.
-         المدينة الصناعية(City):وتتميز بتقسيم العمل، وينتظم وجودها حول الإنتاج الذي تنتجه، وهي تتمتع بموقع حضري يسيطر على الإقليم برمته وريفه وحضره.
-         المدينة( Metropolitan): وهي المدينة العظمى أو المدينة الكبيرة، ولها خصائص المدينة الصناعية.
ثانيا:تقسيم المدن من حيث عدد السكان:
        هو أسهل هذا التقسيمات لارتباطه بتعقد الحياة في المدينة ،وقد طبقته معظم الدول في تقسيماتها الإدارية، ففي فرنسا كل مجموعة من السكان تعيش في مركز واحد يبلغ عددها 2000نسمة تعتبر مجموعة حضرية، وكل مركز يقل عدد سكانه عن هذا العدد يعتبر قرية في عداد الريف، وفي أمريكا يصل العدد إلى 2500نسمة ،و في بلجيكا إلى 5000 نسمة .
       ثالثاً:تقسيم المدن من حيث تطورها التاريخي:
       لهذا التقسيم أهميته العظمى في تتبع الحضارات التي أثرت في كل مدينة.
      رابعا:تقسيم المدن من حيث العوامل الاجتماعية والثقافية:
      ميز ريدفلد Redfieldو سنجرSingor في هذا التقسيم بين المدن التي تسودها العقائد الدينية المختلفة،والتي كان بعضها يساند ويقوى استقرار النظام الاجتماعي والثقافي والبعض الآخر كان يستجيب للتغير الاجتماعي.وميز فيبرFeber بين مدن النبلاء ومدن الفقراء،وبين مدن الإقطاعيين والبدائيين، ومدن نشأت في ظل الاستعمار الأوروبي ومدن قبل دخول الاستعمار كما في جنوب أفريقيا.
     خامساً:تصنيف المدن حسب المتغيرات الاقتصادية:
    قسم بريسBreeseالمدن إلى مدن صناعية وإدارية وتجارية،وأكد لامباردLampard أن الصناعة السائدة كانت أساس تصنيف المدن ،وأن نمو المدن يرتبط بمعدل النمو الاقتصادي.وصنف هاريس Harris وأولمانUllman المدن حسب موقعها المركزي إلى مدن النقل ومدن ذات وظائف متخصصة، وصنف ماركس في ضوء علاقات الإنتاج المدن إلى مدن العبيد ومدن الإقطاعية ومدن الرأسمالية والاشتراكية. وأشار هوزليتز إلى وظيفة المدينة في ضوء نموها الاقتصادي ،وصنف المدن إلى مدن منتجة Generative وهي التي يعود تأثيرها بالفائدة على النمو الاقتصادي،ومدن طفيليةParasiticوهي المدن الاستهلاكية.
  
سادسا:تقسيم المدن من حيث درجة تقدمها:
حاول تورنديك تقسيم المدن من حيث نوع وكمية الخدمات التي تقدمها للسكان، فقسم الخدمات إلى 37 نقطة تقع في ستة أقسام عامة:الصحة والتعليم والترويج والاقتصاد ونثريات.واكتشف من هذه الدراسة أن هناك ارتباط عام بين التقدم والتأخر في المدن، فالمدن التي بها نسبة تعليم مرتفعة يكون سكانها أحسن حالاً من الناحية الاقتصادية والصحية والترفيهية.



سابعاً:تقسيم المدن من حيث الأعمال التي تؤديها:
وضع جينيست هلبرت تقسيما سداسياً معتمدا على هذا المعيار:
أ- مدينة صناعية.      ب- مدينة تجارية.    ج-مدينة سياسية.   د-مدينة ثقافية.    هـ-مدينة صحية ترفيهية.
و- مدينة متعددة الأغراض.       أما بيرجيل فقد صنف المدن في 7 تقسيمات:
1-المراكز الاقتصادية:
  أ- مراكز الإنتاج الأولي(الاستخراجي):(مدن الصيد ومدن التعدين ومدن البترول).
 ب-مراكز الصناعة:(مراكز الصناعة الكبيرة، الصناعة المتوسطة والصناعة الصغيرة).
 ج-مراكز التجارة:(مراكز التجارة العالمية،التجارة القومية ومراكز التجارة المحلية).
  د-مراكز النـــقل:(الموانئ، مراكز النقل الداخلي).
 هـ-مراكز الخدمات الاقتصادية:(خدمات مالية، التــأمين، خدمات متنوعة).
2-المراكز السياسية:
                       أ-مراكز السياسية المدنية:(مراكز عالمية، سياسة قومية، سياسة إقليمية وإدارة إقليمية).
                      ب-المراكز الحربية:(مدن القلاع، قواعد حربية ومراكز تدريب).
3-المراكز الثقافية:
                      أ-المراكز الدينية:(مراكز الحكم الديني، مدن الحج، مدن تذكارية).
                      ب-مراكز ثقافية دينية:(مناطق التعليم العالي والبحث،مراكز إقتصادية للإنتاج الثقافي كالسينما والمسرح والراديو والتلفزيون،مدن المتاحف ،مدن الأضرحة لكبار الأدباء والفنانين).
4-مراكز ترويجية:
                      (المدن الصحية ، مدن الإجازات"المشاتي والمصايف").
5-مدن سكنية:
                      (الضواحي السكنية، مدن المحالين إلى المعاش).
6-مدن رمزية:
                     تضم هذه الفئة مجموعة من المدن مثل:روما، بيت لحم، الناصرة وموسكو.
7-مدن متعددة الوظائف:
                  وهي تشمل ما تبقى من المدن التي تتعدد وظائفها دون أن يكون لها تخصص واضح تشتهربه.

*العوامل المحددة لنمو التجمعات السكانية في المدن:
1-عوامل جغرافية:وتشمل الظروف الخارجة كالموقع وطبيعة الأرض والخامات المعدنية الموجودة في
الأرض والمناخ، وهي تلعب دورا هما في وجود المدن. فالموقع الممتاز من الناحية العسكرية يعمل على
إختيار مدينة حربية،والموقع ذات التربة الخصبة وغيرها من المواقع التي بها المعادن ذات قيمة صناعية
وتجارية ينشأ عادة بجوارها مدن يعيش سكانها على الزراعة والتعدين والصناعة. والمدن التي تقع على
مفترق طرق هامة تلتقي فيه القوافل التجارية، ينشأ عنها كذلك مدن مزدهرة تعتمد على التجارة،وكان النهر
 وفروعه أحد الدعائم الأساسية في نمو المدن، فقد ظهرت المدن الأولى في دجلة والفرات والهند، حيث
تتوفر الظروف المناسبة لإقامة التجمعات السكانية مثل توفر مياه الشرب وأماكن للزراعة، والملاحة والنقل
وبالتالي خط رئيسي للمواصلات.وإذا ما عكسنا العوامل الجغرافية وتأثيرها بنمو المدن على سورية نجدأن:
       أ-التضاريس:نجد أنه لا يوجد لها تأثير في التوزيع السكاني فالتضاريس السورية تتألف من سلسلتين
جبليتين متوازيتين للساحل في الغرب أما في الشرق،فتمتد الهضاب والسهول الواسعة بعيدا منحدرة نحو
العراق، وأحيانا لوعورة الجبال تقل عليه عدد المدن وتتضاءل حجماً،والمدن الموجودة في هذه الجبال هي
أصلا قلاع،وبعض المناطق التي تشكلت قيها بحيرات مثل بحيرة قطينة،نلاحظ تجمع المدن حولها قليل العدد
 ضئيل الحجم، شديدة التباعد، ويرجع ضعف العمران فيها إلى عدم خصوبة التربة، والمياه السطحية حيث
تكثر المستنقعات وبالتالي الأمراض.
    ب- المناخ:عندإسقاط خطوط المطر على مناطق التجمعات السكانية نلاحظ أن المطر يحدد بشكل فعال
 أماكن التجمع السكاني حيث تزداد كثافة وحجم التجمع في المناطق الغنية بالأمطار وتتناقص طرديا.
    ج-الأنهار الكبرى ومصادر المياه: بالرغم من قلة الأمطار في بعض التجمعات إلا أن بعضها يعتمد على
مصادر المياه كالأنهار والينابيع، فمنطقة حوض نهر الفرات فقيرة بمياه الأمطار حيث يبلغ معدلها تقريباً
150مم ،ومع ذلك تتركز التجمعات الحضرية فيه .
    د-نوع التربة:التربة الملحية والمعيقة للزراعة تسبب مشكلات اقتصادية،وبالتالي فهي فقيرة بالتجمعات
السكانية، والتربة الصالحة للزراعة تكون غنية بالتجمعات السكانية.
2-عوامل سياسية، تاريخية وحربية: لعل التنظيمات الإدارية التي صاحبت تطور السيادة الأبوية إلى السيادة
 القبلية كان من العوامل الأساسية لظهور المدن،ويؤكد هذا المعنى وليم فورم:إذيرى أن بناءات القوة السياسية
لعبت دورا متميزا في تشكيل المدن وتحديد بناءها، إذ تختار الحكومات مراكزها عادة في المدن.فقد كانت
 المدينة بمثابة مراكز سياسية يناط إليها أداء الوظائف الإدارية والعسكرية،وهيمنت على غيرها من المدن
الصغرى وبعض المراكز الدينية والتعليمية،واستحوذت بدورها المسيطر على الفائض الإقتصادي للبلاد،
وإذا ما عكسنا تأثيرها على القطر نجد أنه: من خلال إستقرائنا لتاريخ سورية السياسي،نجد محاولات الغزو
الأجنبي،وكانت وسائل القتال تتجدد في الأسلحة التقليدية، فكان التحصن ضد العدو بالإرتفاع إلى الجبال
العالية والبناء على المناطق المرتفعة.

3-العوامل الثقافية: وتشمل الظروف السائدة للفنون،والنمو التكنولوجي الذي يؤثر في توزيع السكان والخدمات،وهي تلعب دورا كبيرا في ظهور المدن،فقد عملت ثقافة الإنسان على خلق المدن، وتغيير الشكل الفيزيقي للمدينة بفعل العامل الثقافي، ونمت المدن بفعل التراكمات الثقافية. ويمكن التعرف على خصائص ثقافة أو حضارة معينة بما تتركه من آثار ، ولكن هذا لا يفي بالغرض، فالمدينة ليست مجرد قصر أو معبد، إنها الناس الذين يسكنوها، ومساكنهم ومحلاتهم،وشوارعهم وحدائقهم، كما لاتقاس الحضارة بما تقدمه من اختراعات فقط ،ولكن بمدى انتفاع الناس بهذه الخدمات.
4-العوامل الاقتصادية والاجتماعية: تشير كلمة العوامل الاقتصادية إلى مجموعة من الظواهر التي تتعلق بالحياة المادية للمجتمع ،ووسائل تنمية موارد ثرواته ،وإنتاج هذه الثروات وتوزيعها واستهلاكها،وهي تضم الموارد الطبيعية،القيم الثقافية،رأس المال والموارد المتاحة،والتنظيم والعمل الذي يتمثل في مهارات الأفراد.
       وقد قسم جولد سميث مراحل النمو الاقتصادي إلى مرحلة الاقتصاد الذي يقوم على التجوال،ويلي ذلك مرحلة الاستقرار النسبي على الأرض،وصاحب هذا الانتقال تنمية المجتمع،وتشمل المرحلة الثالثة نشاطات معقدة مثل الزراعة والرعي ،وتتميز المرحلة الرابعة بنمو الزراعة وظهور فائض زراعي يعول سكان المدن، وأدى هذا النمو الاقتصادي إلى زيادة عدد السكان وبالتالي نمو المدن . وإذا ما عكسنا تأثيرها على القطر نجد أن: نمط التوزيع السكاني للزراعيين يختلف عن العاملين في الصناعة والتجارة، فالزراعيين يتمركزون في المناطق الريفية، وضمن مجموعات سكانية صغيرة الحجم، أما العاملون في التصنيع والتجارة، فيتمركزون في التجمعات السكانية الكبيرة والمتحضرة نسبياً.ومثال مدينة الثورة على تأثر المشاريع الاقتصادية في سورية على نمط التوزيع السكاني ،ومثال المشاريع الصناعية "مدينة بانياس"بعد تحول خط البترول العراقي إليها،وترتبط العوامل الاقتصادية بالعوامل الاجتماعية فالتجمعات السكانية المرتبطة بالتصنيع نجدها متحضرة بشكل يفوق التجمعات الزراعية لأن المدن الصناعية تتطلب وجود خدمات ملحقة بها كالنقل والترفيه والثقافة والخدمات العامة.
5-العوامل الديموغرافية: تنمو المدن نتيجة زيادة عدد السكان، ويعرف التغيير في حجم السكان سواء بالزيادة أو النقصان بالحركة السكانية،وتتم الزيادة السكانية من خلال ثلاث عوامل:
   *المـــــوالــيد.        *الـــوفــيــات.       *الــهجـرة بنوعيها:    - داخــليــة.      – خــارجــية.
وتتجدد المجتمعات نتيجة هذه العوامل،فان ارتفاع معدل المواليد يساهم في الزيادة السكانية بينما معدل الوفيات يساهم في انخفاضها، وإذا ما طرحنا معدل الوفيات من معدل المواليد فانه يمكن معرفة الزيادة السكانية،ويمكن من خلال هذا الفرق معرفة معدل النمو الطبيعي لمجتمع ما ، وقد تضاعف عدد سكان أوروبا نتيجة عدد من المتغيرات منها :تحسن الصحة والثورة الصناعية.
  *المواليد والوفــيات: يعتبر هذان العاملان من العوامل المؤثرة في الحركة السكانية ،في تأثيرها على نمو المجتمع ونموه وتحديد نوعه،وتلعب الوفيات دورا في التأثير في حجم السكان وتركيبهم النوعي،وتتأثر كلا من المواليد والوفيات بعوامل مختلفة منها التحولات التي تتم في البنية الاجتماعية والاقتصادية.

السنة
العالم
أفريقيا
أمريكا
أوروبا وآسيا
1850
1.131
97
26
247
1950
2.495
200
167
576
جدول رقم(1)- بيان عدد سكان العالم بالمليون بين عامين 1950-1960، المصدر:الأمم المتحدة 1963م.

  *الهجـــرة: فهي ظاهرة اجتماعية، ترتبط ارتباطا وثيقا بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تتم في البلاد المهاجر منها واليها.فهي شكل من أشكال الحركة السكانية وهي تعني الارتجال من موطن لآخر مدة قد تقصر أو تطول،مدفوعين للبحث عن فرص عمل،وأنماط حياة جديدة ،وتؤثر الهجرة بدورها في اتجاه التغير الاقتصادي والاجتماعي بما تحدثه من آثار في الهرم السكاني وحجم السكان وتركيبهم في المكان المهاجر منه والمكان المهاجر إليه،وتنطوي الهجرة على نوعين:   
  - هجرة مؤقتة: وهو أقرب ما يكون إلى الحركة السكانية منه إلى الاستقرار السكاني.
  - هجرة دائمة: حيث يخرج المهاجر من مكان لآخر، دون نية الرجوع إلى بلده الأصلي.
وتنقسم الهجرة الدائمة إلى قسمين:   

  *هــجــرة خارجــية:  يتم انتقال الأفراد من دولة لأخرى عبر الحدود، وتكون إما: 1- مهاجرون عاديون: والذين ساهموا في بناء المدن،ومنها هجرات خارجية جماعية والتي تتخذ شكل وحدات منظمة،أو هجرات خارجية فردية.   2- الغزاة:  وهم من الأوائل الذين شيدوا المدن.
*الـهجـرة الـداخـلـيـة: تنشأ المدن وتنمو نتيجة الهجرة الداخلية بشكل كبير وهي أنواع منها ماهو من الحضر إلى الحضر،ومنها ماهو من الريف إلى الريف،ومنها ما هو من الحضر إلى الريف ومنها ما هو من الريف إلى الحضر وهو الغالب وتعاني الدول العربية خاصة من الهجرة الداخلية على شكل تضخم وتركز حضري،والنوع الأول من الهجرة هو السائد في جمهورية مصر(حيث تبلغ نسبة المهاجرين من المدن للمدن 64%)بينما النوع الآخيرهو أهمها وأخطرها في نفس الوقت نظرا لما ينتج عنه من آثار كبيرة ومتباينة في كل من المجتمعين الريفي(الطارد)والحضري(الجاذب)رغم بلوغ نسبة المهاجرين من الريف إلى الحضر
  حوالي29.5% سنويا فقط. ولكن من هو المهاجر؟وكيف يصبح المهاجر إنسانا حضرياً؟ومن هو ساكن المدينة؟ومن هم السكان المستقرون في المناطق الحضرية؟وتختلف الأعداد من بلد لآخر كما تختلف تبعا لأحجام المدن وعلاوة على ذلك فان سكان المناطق الحضرية يعيشون في ظل ظروف معيشية متفاوتة أشد التفاوت وخاصة من حيث الكثافة.ومن أسباب الهجرة: الظروف الاقتصادية، ورفع مستوى المعيشة ويمكن تقسيمها إلى نوعين:
 أسباب طاردة و أسباب جاذبة أي ما يعرف بالتخلخل deconcentration والتركزconcentration، وهما يشيران إلى التغيرات التي تحدث في التوزيع المكاني السكاني، أي تغير الكثافة السكانية. ويعد التخلخل حركة انتقال طاردة بعيداً عن المركز في اتجاه أطرافه الخارجية. أما التركز فهي عملية انتقال جاذبة إلى مركز النشاط، أي إلى منطقة ذات ظروف طبيعية وإنسانية أفضل.      








شكل-5- شكل بياني يوضح تأثير العوامل الديموغرافية (السكانية)في نمو المدن                                                                                                                                                                                       

شكل-6-زيادة عدد سكان العالم بين عامي 1800م-2000م.

*تأثير مفهوم ربط النشاط الاقتصادي والاجتماعي في تعريف المدينة:
          إن المدينة ليست مجرد وحدة جغرافية وايكولوجية فقط،بل هي في الوقت ذاته وحدة اقتصادية،ويستند التنظيم الاقتصادي في المدينة على مبدأ تقسيم العمل،وبالتالي لا نجد وظيفة واحدة للمدينة،فنشاطها الرئيسي يحتاج إلى عدد من الخدمات والأنشطة،إذ تجذب المراكز التجارية الصناعة وتحتاج الصناعة إلى التجارة وتجتذب المراكز الحكومية الأنشطة الثقافية،وبذلك تصبح للمدينة موطنا متعدد الوظائف،ويترتب على ذلك أن لكل فرد في المدينة مهنة أو وظيفة معينة،وينتج عن ذلك أن المدينة تنقسم إلى مواقع ومناطق متميزة فهناك أقسام للسكن وأخرى للتجارة وثالثة للصناعة وللنزهة وتنقسم أقسام السكن لمناطق الطبقات الفقيرة ،ومناطق الطبقات المتوسطة والطبقات الغنية.
       وأصبحت الأسواق العربية والمراكز التجارية من أبرز معالم المدن المعاصرة ومن أقوى نقاط الجذب لسكانها ولكن الدور الذي تلعبه هذه المراكز من خلال تشكيلها لنسيج الحياة في المدينة لا يزال موضوع نقاش ونقد. وربما تكون هذه الظاهرة الأهم هي نمو الأسواق أو تحول المدينة إلى سوق كبير من دون مبرر اقتصادي واضح.ويؤكد هذا التحول الظاهرة الاستهلاكية للمدينة، وهي هدية جديدة تقوم عليها المدينة العربية المعاصرة.وهذه الظاهرة تتفاقم دون وجود حلاً لها.لأن المستثمر لا يقبل المغامرة بل يعمل في الآمن والمضمون عندما نسأل أنفسنا كيف تحولت المدينة إلى ما أصبحت عليه،يقودنا السؤال إلى بدايا ت ا لتحول الذي عاشته المدينة منذ بداية النصف الثاني من القرن 19م عندما خطط الفرنسيون"عمدة باريس هاوسمان" حي الإسماعيلية في القاهرة،فذلك التحول أوجد فكرة المخازن الكبيرة،والوضع تغير عندما اصطدمت المدينة بالحداثة فقد كانت الصدمة الرأسمالية شديدة،وأفقدت المدينة العربية توازنها وربما تعود هذه الظاهرة كذلك إلى تعقد المدينة وتشعب وظائفها فلم تعد المدن توفر لسكانها فرصة الاستمتاع بالحركة. 

         1-مفهوم التحضر(Urbanization):
أ- تعريف التحضر:  *تطلق على تلك العملية من النمو الحضري السريع التي يمكن مشاهدتها في مظهرها الكمي البحت، وبغض النظر عما إذا كانت هذه العملية تنبثق من عناصر النمو السكاني الطبيعي أو الهجرة الداخلية. والتحضر بصفة عامة شرط أساسي في عملية التحديث ويرتبط بالتحول من النظم الاقتصادية الريفية إلى النظم الاقتصادية الصناعية وكذلك بالانتقال من البيئة التقليدية إلى البيئة العصرية.
                            *وهو عملية من عمليات التغير الاجتماعي، تتم عن طريق انتقال أهل الريف أو البادية إلى المدينة، وإقامتهم بمجتمعها المحلي، أي إعادة توزيع سكان الريف على المدن.
ويحدد د.محمد كيلاني مفهوم التحضر من خلال النقاط التالية:
1-     حجم السكان في رقعة معينة، هو المؤشر الناجح للتمييز بين المجتمعات الريفية والحضرية، لذلك يعرف التحضر، بأنه تركز للسكان والأنشطة غير الزراعية في بيئة حضرية بأحجام وأشكال مختلفة.
2-     التحضر هو مستوى العلوم والفنون، ودرجة التقدم التكنولوجي وأشكال التصنيع السائد.
3-     هو الأنماط والروابط الاجتماعية، وأشكال التفاعلات الإنسانية والبيئية مع بعضهم البعض.
4-     التحضر يعني: التمييز بين نمط الحياة البسيطة والمعقدة، أي انه انتشار القيم، والسلوك، والتنظيمات الحضرية في مجال جغرافي معين، وإضافة إلى ما سبق يعرف التحضر بأنه: عملية تركز سكاني يتم بوسيلتين:
* زيادة عدد أماكن التجمعات السكانية.             *أو نمو حجم التجمعات السكانية.
*مفهوم التجمع السكاني: هو تلك المجموعة البشرية المستقرة ضمن إطار عمراني معين على قطعة محددة من الأرض بحيث لا يفصل فيها بين الأفراد أو الجماعات منطقة انقطاع بشري أو عمراني،وتختلف هذه التجمعات من منطقة إلى أخرى،ومن أسباب الاختلاف: العوامل الجغرافية،الاقتصادية،الاجتماعية و الديموغرافية التي سبق ذكرها في الفقرات السابقة.
ب-مستوى التحضر(Level of Urbanization): هو عبارة عن النسبة المئوية للسكان المقيمين في المدن من جملة سكان الدولة وعند نقطة معينة زمنيا.والتحضر بمعناه الديموغرافي: هو عملية التزايد في نسبة السكان المقيمين في المناطق الحضرية من جملة سكان الدولة، ‘أما التحضر بمعناه الشامل:  بالإضافة إلى التعريف السابق هو حالة ملازمة للنمو الاقتصادي والتغير الاجتماعي.
ج- مفهوم النمو الحضري: من الخطأ الشائع اعتبار أن التحضر هو مجرد نمو المدن City Growth،حيث يمكن أن تنمو المدن دون أن ينتج ذلك أي ارتفاع في درجة التحضر،ويحدث ذلك عندما ينمو عدد سكان الريف بمعدل مساو أو أكبر من معدل نمو سكان الحضر في فترة ما. أما النمو الحضري بمعناه الديموغرافي: فيعبر عنه النمو السكاني للقطاع الحضري دون الأخذ بعين الاعتبار النمو السكاني للقطاع الريفي،أو النمو العام للسكان، أما النمو الحضري بمعناه العمراني: فيعني التوسع أو الامتداد العمراني Physical Growth للقطاعات الحضرية بصفة عامة والمدن بصفة خاصة. "ويمكن القول : إذا تساوى أو قل معدل نمو سكان الحضر عن معدل النمو الإجمالي لسكان الدولة،فإن هذه الدولة تعرف نموا ًحضريا بالمعنى الديموغرافي،أما إذا ارتفع نمو السكان الحضر عن المعدل الإجمالي لسكان الدولة فإن الدولة تشهد ارتفاعا في معدلات تحضرها".  ويرتبط مفهوم النمو الحضري ارتباطا وثيقا بالتصنيع في البلاد الصناعية.إذ تتسم المدينة بقيام الإنتاج على المنتجات الصناعية .ويزداد النمو الحضري بازدياد المصانع والمنتجات الأدبية والفنية والأعمال الإدارية.


*الــمــلخــــص: 
            إن المدينة بصفتها نموذج لمجتمع حضري فهي ظاهرة قديمة يرجع تاريخها لما يقارب ال 7000سنة وهي تعتبر كذلك انعكاسا لتزايد التعقد الاجتماعي واستجابة لظروف اجتماعية وثقافية وجغرافية وقد انعكس هذا على أساسها الوظيفي الذي يختلف باختلاف المكان و الزمان.وتركز المجتمعات الحضرية ليس وليد العصر الحديث، بل يرجع لعهود سابقة عندما قامت المدن بوظائف متعددة لخدمة إقليمها المجاور ولكن ارتبط هذا المفهوم الحديث بالحجم السكاني فقط طالما أن المركز الذي يحوي المراكز التجارية والصناعية جاذب للفائض السكاني ومن هنا يحصل التضخم السكاني وتعدد الوظائف وتصبح المدينة العاصمة المهيمنة والتي تحظى بأكبر عدد من سكان الدولة والحضر معاً لتصبح في بعض الأحيان الدولة نفسها ونافذتها على العالم الخارجي.



المــــــــراجــــــــــــع:

1-    م.النابلسي – محمد –التجمعات السكانية في القطر السوري-قسم الدراسات العليا-كلية الهندسة المعمارية-جامعة دمشق-الجمهورية العربية السورية-1987م.
2-    د.النعيم-مشاري العبد الله-مدن بلا أسواق ،أسواق بلا مدن- مجلة القافلة-العدد4 المجلد 54-أرامكو السعودية-المملكة العربية السعودية- الظهران –يوليو 2006.
3-    د.عبود-حنان-المدينة العالمية –إبداعات هندسية- العدد الثاني –الجزء الثالث-م.محسن مقصود-الجمهورية العربية السورية- دمشق -2005
4-    أ.د.إبراهيم، فتحي علي/أ.د.أبو راض، فتحي عبد العزيز – جغرافية التنمية والبيئة – دار النهضة العربية – لبنان – بيروت- نوفمبر2003م.
5-    د.رشوان –حسين عبد الحميد- المدينة "دراسة في علم الاجتماع الحضري" – المكتب الجامعي الحديث- جمهورية مصر العربية – الإسكندرية -1989م.
6-    م.صيداوي – حيان جواد- قراءة المدن- دار قابس – لبنان – بيروت -2005م.
7-    د.النعيم – مشاري العبد الله- التراث العمراني تحت ضغوط التمدد الحضري "أركيولوجية " المدينة وذاكرة المستقبل –مجلة البناء –العدد196 –م.إبراهيم أبا الخليل –المملكة العربية السعودية –الرياض-يناير 2007م-ذو الحجة 1427هـ.
8-    روس –بيتر- خبير تخطيط مدن في مشروع تطوير وتحديث الإدارة البلدية MAM- دور المشروع في حماية وتطوير المدن –يناير2007م.
9-    روس –بيتر- خبير تخطيط مدن في مشروع تطوير وتحديث الإدارة البلدية MAM- قيمة الشراكة/سياسة التدخل في التخطيط الحضري في المدن ذات الطابع التاريخي/-/Urban Planning Intervention in Cities with Historic Characteristics ”The Value of Partnership” - ديسمبر 2006م.


جامعة دمشق
كلية الهندسة المعمارية
قسم التخطيط العمراني والبيئة

إعداد:
م.هبة فاروق القباني