لقد
توالت على بلدان جنوب البحر المتوسط والشرق الأوسط عدة تجارب تسعى إلى
تنمية الأراضي الجافة تنمية زراعية ورعوية تهدف إلى سن أنظمة ريفية
مستديمة، في مجالات تتسم بالهشاشة من جهة وبارتفاع الساكنة من جهة ثانية.
ومن أهم هذه التجارب تلك البرامج التي أعدتها منظمة الأمم المتحدة للأغذية
والزراعة والتي كان الهدف منها في الوقت نفسه البحث عن توازن بين الضغط
السكاني وإنتاج الغذاء وإيقاف مسلسل تدهور التربة والغطاء النباتي ...
وضمان
النماء المستديم للزراعة في المجالات الجافة على صيانة التربة الجيدة
القابلة لخزن الماء مع ضمان إنتاجية مرتفعة، أو تقنيات رعي تحافظ على جودة
المراعي وتنوع منتوجها النباتي.
ويتضح
من خلال فحص مناهج البحث المختلفة أن المنهاج الجغرافي يتميز باستجابته
لرغبات التهيئة المجالية، وذلك لشموليته. وهذا ما سوف توضحه هذه الورقة.
التحليل المجالي للأراضي : خرائط المؤهلات والخريطة البيئية
لتهيئة
إقليم، من الواجب معرفة مؤهلاته، أي جرد موارده وتحديد إمكاناته وتوزيع
هذه الإمكانات مجاليا. والأداة المستعملة عادة لهذا الغرض هي كرطوغرافية
الموارد والمؤهلات.
والطريقة
المتبعة تنبني على تطابق خرائط مجالية متعددة لكل واحدة موضوعها الخاص
ومنها تستخرج خريطة مركبة تدعى " خريطة إمكانات الأراضي"، الغرض منها وصف
المعلومات الميدانية المتعلقة بالبيئة وإحصاؤها، لإلقاء الأضواء على
السياسية اللازم اتباعها في ميدان إعداد التراب الإقليمي والتوعية بمشاكل
الوسط والبيئة؛ والقصد منها كذلك إثارة انتباه المستصحين إلى الأخطار
المحدقة بالتوازنات الحيوية التي كان واجبا الحفاظ عليها.
تمثل
هذه الخريطة المعطيات العامة للبيئة من طبوغرافيا وهدرغرافيا وهدرلوجيا
ومناخ. وتكون المنشآت عنصرا أساسيا في المحيط البشري. إضافة إلى المجالات
المحروثة، المجالات الخضراء. وهذا القسم من الخريطة وصفي محض، وهو عبارة عن
إحصاء لمجموعة من المعلومات حول المنطقة. أما القسم الثاني، فيهتم
بدينامية البيئة، أي بالتطورات الحالية التي من شأنها تغيير معالم البيئة.
ولهذا فهو أكثر ارتباطا بإمكانات التدخل البشري؛ إذ يشير بكيفية مضبوطة إلى
عناصر حركية بعضها طبيعي وبعضها مرتبط بالاستغلال أو الإصلاح البشري.
-
آليات تدهور سطح الأرض : منها ما هو طبيعي محض أو ناتج بصفة مباشرة عن
التدخل البشري ( تعرية مائية - نهرية، غابات مريضة أو محرقة) ومنها ما هو
محدث من طرف الإنسان كالمزابل أو المقالع.
-
تلوث الماء : ويرمز إلى المجرى المائي أو إلى السواحل كما يشير إلى
التيارات التي يتبعها التلوث وإلى مواطن التلوث ومصادره ( معامل - مزابل -
أسمدة كيماوية - مبيدات فلاحية ).
-
الوقاية وإصلاح البيئة : تمثل الخريطة كل التدخلات التي من شأنها وقاية
الوسط أو إصلاحه، من محاربة للتدهورات الطبيعية ( كبناء جسور ضد التعرية
البحرية أو النهرية) ووقاية للمآثر التاريخية وأخيرا محاربة التدهورات
المحدثة التي يتسبب فيها الإنسان ( محطات تصفية الماء الصناعي - معامل
ملوثة وأخرى مجهزة بمعدات تقي محيطها من التلوث المائي أو الجوي).
ومن الممكن اعتبار خريطة التكونات السطحية أداة تستجيب للتطلعات السابقة الذكر.
فتحليل
التكونات السطحية يسمح بتوجيه التهئية الوجهة الصحيحة، كما يساعد على
تفادي الأخطاء التي لها عواقب وخيمة. وينبني هذا التحليل على تعريف مؤشرات
مرفو ترابية قابلة للتمثيل المجالي :
- سمك التكونات السطحية وموقعها ضمن متتالية ترابية تراعي النوع التضاريسي.
-
تنوع القطاع الترابي الذي يمكن من تحديد مدى تطور هذا القطاع، اعتمادا على
مؤشرات كيماوية وعدانية، من بينها التركيب المعدني للرمال، والتركيب
العداني للطين، ونسب العناصر الكيماوية الأساسية، وتطور بعض المكونات
الكيماوية النادرة.
- المحتوى العضوي للمسكات السطحية ودرجة نشاط المادة العضوية.
-
القطاع المائي للتكونن باعتبار إمكانات التصريف الداخلي لكل مسكة، مع
تحديد مستويات تراكم الماء، وما ينتج عنه من تراكم للأملاح أو تغير في
الوضع الكيماوي للتربة.
مجموع
هذه المعطيات تمثل في خريطة مرفوترابية تعطي صورة دقيقة للبيئة وإمكاناتها
( العوينة، 1984 و 1993 )، لكن تبقى هذه الصورة جامدة إذا لم يلحق بها
تحليل للميكانيزمات المسؤولة عن تطور السطح. ولذا صار من الواجب أن تكون
هذه الصورة حركية.
التحليل الدينامي
إن
تهيئة السطح تستدعي معرفة الآليات التي تتحكم فيه وفي تطوراته الحالية.
فمشاريع التهيئة للأحواض النهرية ( أحواض التصريف) قد عمدت إلى اختيار
منهاج مضبوط يهدف إلى تحديد التهديدات التحاتية. هذا المنهاج ينبني على وضع
خرائط مجالية تحاول تطبيق نموذج "فيشمايير" الذي تتحكم فيه مجموعة من
المؤشرات منها ثلاثة مؤشرات طبيعية هي اعتدائية المناخ وقابلية التربة
للإزالة، ثم درجة الانحدار وطوله، ومؤشران يرتبطان باستعمال الأراضي
ووقايتها.
وباستخلاص
المؤشرات لكل وسط، البعض بالتكميم المباشر والباقي بالقياس، يتم استخراج
خرائط موضوعية ومنها خريطة التهديدات التي تضبط هشاشة الأوساط.
لكن هذا المنهاج يعتريه إشكالان :
- الإشكال الأول أن هذه خرائط تهديدات ممكنة الحدوث، وليست بالإلزام خرائط الواقع الحالي.
-
الثاني أن هذه الخرائط تعتبر سلفا أن القسط الأهم من الإزالة يتم في
السفوح، داخل الحقول والمراعي؛ وتتناسى العوامل الأخرى مثل التخديدات
المركزة والحركات الكتلية ودور الأنهار في الإزالة الجانبية التي قد تكون
كتلية وذات خطورة قصوى ( العوينة وآخرون1993 ).
وهذه
الأشكال المركزة مجاليا والتي قد تمثل القسط من الإزالة ليست خاضعة لطاقة
الأمطار ولا لقابلية الأتربة، وليست بالإلزام خاضعة للانحدار كما أن لا
علاقة لها باستعمال السفوح؛ بل تخضع لأسباب أكثر تعقيدا، منها الجيولوجية
والتكتونية ونوعية التكونات السطحية وتاريخ استعمال الأرض، الخ.
يتضح
إذن قصور هذا المنهاج التحليلي المحض، بينما المنهاج المرفودينامي أكثر
اقترابا من الواقع. هذا الأخير يعتمد على مراحل البحث التالية ( دونكان
وآخرون، 1995 ) :
أ-
كرطوغرافية حالية للأشكال وتحديد العمليات الدينامية النشيطة والعمليات
الخامدة مجاليا، وذلك بوضع خريطة مضبوطة تستند على الواقع المرئي في تاريخ
محدد.
وتفرق
هذه الخريطة بين العمليات الدينامية الظاهرة، أي المنفردة في الميدان
والمسؤولة عن أشكال سطحية واضحة، والعمليات الخفية التي تتضح فقط من خلال
نتائجها على التربة. الأولى تبرز في الخرائط والصور الجوية، بينما لا تظهر
الثانية إلا بعد الفحص الميداني الدقيق. وحجم الأولى مقارنة مع الثانية لا
يدل على ترتيب في درجة الخطورة بالإلزام. ذلك بأن التعرية الكارثية التي
تحدثها الخدات المركزة أو النسف القاعدي للمجاري ليست بالإلزام أكثر سلبية
من الانجراف البطيء لكن المتردد للسيل السطحي المتفرق. فالأولى تحدث خللا
في التجهيزات، وتعمل على تطمية حقينات السدود، بينما الثانية تفقر التربة
وتقتلع المسكات السطحية الغنية بالمادة العضوية والمخصبات.
كما
تفرق هذه الخريطة بين العمليات المرتبطة أساسا بأوضاع طبيعية، وتأثير
الإنسان عليها بسيط، وأخرى أصلها - جوهريا - من جراء التدخل البشري. ذلك
بأن الأولى معقدة في طبيعتها، ويصعب التغلب عليها لأنها ترتبط بواقع بنيوي،
أو بنائي، أو صحاري، والثانية معقدة في أصولها، لأن تدخل الإنسان يحدث
ميكانيزمات غير منتظرة، يصعب تداركها من أجل الرجوع إلى الوضع السابق، مثل
انطلاق التذرية الريحية وما ينتج عنها من تصحر في المناطق السهلية نصف
الجافة، ومثل تمليح الأراضي المسقية ذات التصريف الرديء. وعلى كل حال، فهذه
الكرطوغرافيا قاعدة للتدخل، لأنها تشير إلى الديناميات القائمة وتوحي
نسبيا بما يجب القيام به لتفادي السلبيات الناجمة عن العمليات الحالية.
ب
- ملاحظة الأشكال وقت نشاطها لتحديد نهج تصرفها، وتحديد خطورتها الفعلية.
فالخدات مثلا ليست كلها خطيرة، وليست كلها من أصل واحد؛ بل هي نوعان :
-
خدات تنشط بفعل المياه المتسربة، أي تنتج عن تصريف داخلي لمياه قرب سطحية
بسبب النفاذية المرتفعة للتكونات. ووجود إمكانات تحليل باطني لبعض
المكونات، أو نقل جانبي للأطيان. وفي هذه الحالة، فإن أي تهيئة تسعى إلى
تقوية نصيب التسرب تمثل خطرا إضافيا، بل الواجب تصريف المياه ومنع تراكمها.
والتهيئة تقتضي الدفع بالمياه إلى قنوات تصريف سطحية سبق إعدادها وسبقت
تقويتها، لمنع تعمقها أو توسيع مجاريها.
إلا
أن الملاحظة المؤقتة لهذه العمليات غير كافية، لأن الحوادث متنوعة جدا،
بالرغم من تشابه مظاهرها، والتطورات متغايرة جدا حسب ظروف نشأتها.
وهذا
يعني وجوب التكميم الدقيق في الميدان، الذي يحصي مقادير السيل المائي من
جهة ومقادير الإزالة الفتاتية من جهة ثانية. وهنا يجب اقتراح مجموعة من
وسائل التقدير البسيطة وغير المكلفة التي تسمح بالوصول إلى تصور فعلي
للنشاط البيئيي ( العوينة ، 1993 ).
فالخرائط
المرفودينامية توجه إذن الأعداد حيث تمكن من تحديد المجالات الخطيرة،
بينما التحليلات الميدانية والتكميم يوجهان التهيئة حيث يشيران إلى نوعية
الآليات الخطيرة وطرق مواجهتها.
البعد التاريخي
التهيئة
تقتضي كذلك معرفة المسلسل لتدهور منطقة، وذلك لتشييد تخطيط مستقبلي، يراعي
في الوقت نفسه الشكل الحالي ومسلسل تكوينه. فلا يكفي معرفة المؤهلات
ومعرفة الآليات العالمة حاليا، بل من المفيد معرفة كيف وصلنا إلى الوضع
الحالي، أي إدماج البعد الزمني.
فالمتخصصون
في الأحياء النباتية لهم منهاج مضبوط لهذا الغرض، هو منهاج خرائط المراحل
التراجعية للنباتات الذي يعتمد على الانطلاق من بيئة نباتية ذروية، وملاحظة
المراحل التراجعية الموجودة في الميدان، وكذلك على تفسير هذه التطورات
بالأسباب المناخية أو المرتبطة بالاستعمال البشري ( اجتثات - تفاقم استغلال
موارد الغابة - إقامة زراعة).
أما
المنهاج الجغرافي، فهو يهتم بالتربة واستقرار السفوح التي تحمل هذه
التربة. فهناك قطاع ترابي ذروي موروث عامة. والقطاعات الحالية تدهورات
تراجعية بالنسبة إليه. هذا المنهاج يدمج الإنسان، حيث تحلل مظاهر تراجع
الغطاء النباتي وظهور أشكال تحاتية ويتم تاريخ بروزها وقياس تطورها، تبعا
لتاريخ ومسلسل استغلال الأراضي واستعمارها.
فمعلوم أن البئية تتأثر بما يدخل عليها الإنسان من تحولات قد تكون جذرية. إلا أن مدى هذا التأثر وخطورته يختلفان :
-
فقد حصر دور الإنسان في تضخيم تطورات قائمة ومنتظرة، ذلك يجعلها تكتسب
سرعة معهودة في الأنظمة الطبيعية المحضة، فتصبح هذه الأنظمة مفرطة
الاعتدائية مختلة التوازنات؛
-
وقد يدخل الإنسان على النظام القائم تحولات قصوى تجعله ينمحي كليا، ليحل
محل نظام بيئي جديد، على أثر وقوع أزمة حقيقية متنوعة المظاهر عميقة
الأبعاد.
خطورة
الآثار البشرية على البيئة ترتبط بمدى قدرة الإنسان والمجتمعات البشرية -
في مجال ما وفي وقت ما - على التحكم في القوى التي ينتجها التدخل. يعني هل
تلك التجمعات البشرية متطورة بما يكفي لتنتج الوسائل الوقائية المتكيفة مع
القوى الطبيعية المستحدثة ، أو أنها تكتفي بالاستهلاك ولا تملك الأدوات
الكافية للحفاظ والإصلاح ؟
والتأثير
السلبي لللإنسان في البيئة ليس قدرا محتوما، بل هو دليل على وجود خلل
اقتصادي واجتماعي - وقد يكون سياسيا كذلك - وقد تكون الساكنة المحلية
مسؤولة عنه مباشرة، كما قد تكون أحداث ودوافع خارجية عن المجال، وربما
أجنبية تماما، سببا له. الأمر الذي يسمح بتصنيف الأزمات التي تمس البيئة من
جراء التدخل البشري، إلى ثلاثة أصناف :
-
أزمات سببها الاحتياج والتخلف والبحث عن الرزق، الأمر الذي يدفع الإنسان
إلى إنهاك الثروات الطبيعية، كتمديد المجال المستغل فلاحيا - وبلا وقاية -
مثلا ، إلى ما وراء الحدود التي تسمح بالحفاظ على توازن المنظومات.
- أزمات ناتجة عن تقدم جبهة احتلال أو تعمير، تدفع بالسكان إلى الهوامش الشهة.
-
أزمات من نوع خاص، معهودة في دول البحر المتوسط الأوروبية، وما زالت غير
معتادة في الدول العربية، تنتج عن هجرة السكان عن المنشآت الوقائية التي
شيدتها الحضارات السابقة، بحيث يصبح السكان الباقون محليا عاجزين عن مداومة
الوقاية.
لقد
اقتضى تحليل هذه التطورات من الجغرافيين عملا مشتركا متنوع التخصصات،
تدخل فيه المهتمون بالطبيعة إلى جانب المهتمين بالعلوم الإنسانية.
والمطلوب فحص المشكل من واجهتين : أولاهما تجريبية ، وتعني الملاحظة
الميدانية والتتبع والقياس، وهي واجهة يختص بها دارسو الطبيعة؛ والواجهة
الثانية تعتبر الماضي أساسا وتهتم بآثار التدخلات التي وقعت في مختلف
العهود التاريخية. والمنهاج الخاص بهذه الواجهة الثانية يعتريه تعقيد كبير،
يتلخص في وجوب الفرو بين الديناميات السطحية الطبيعية المحضة، والديناميات
التي يعتبر الإنسان أصلا لها. وهو فرز ليس بالهين لسببين :
- لأن الأحداث التاريخية المسؤولة عن هذه الديناميات قلما تكون مضبوطة، وذلك لقلة الوثائق الخاصة بهذا الموضوع .
-
ولأن التشابه بين التطورات الطبيعية التلقائية والتطورات المتأصلة عن
إيعاز بشري كثيرا ما يكون قويا، والفرق بينهما على مستوى القياس والسرعة لا
على مستوى النوع والمضمون.
لذا
كان من الواجب العمل على واجهتي التحقيق التاريخي والضبط الدينامي لتطورات
السطح للإجابة عن بعض الأسئلة المطروحة ولو جزئيا. فبعبارة أخرى، كان
المطلوب تحديد هل مظاهر تراجع النباتات وانجراف التربة وتصحر مجالات واسعة
يمكن نسبتها لفترة مضبوطة من التاريخ ؟ وهل الأحداث التاريخية - التي يجب
ضبطها - هي المسؤولة عنها، أو أن أسبابا طبيعية عامة تسببت فيها دون تأثير
بشري فعلي ؟
والمظاهر الطبيعية التي تثبت دور الإنسان في هذه الأزمات هي :
-
أولا : تتبع المسكة السطحية للقطاع الترابي والتي تمتاز باختلافها الواضح
شكلا ومضمونا عن المسكات الأخرى، وتحتوي على آثار أركيولوجية تؤكد توضعها
أو تطورها في فترة مزامنة لحياة بشرية وتنظيمات اجتماعية يمكن ضبطها.
-
ثانيا : ظاهرة انفراد وتشخص خدات أو خدو معزولة فوق سفوح عامة منتظمة
ومتوازنة، مما يؤكد حدوث خلل محلي تسبب في تعميق المياه السائلة وحفر
السفوح. وتوافق هذه الظواهر دائما مجالات مجتثة أو متدهورة النبات.
-
ثالثا : حجم الواردات الفتاتية المنقولة من طرف الأنهار في الفترة
الحالية، ومدى خشونة هذه الموارد، إذا ما قورنت برواسب الفترات السابقة من
الرباعي.
وتتأكد ضخامة هذه الموارد، إذا ما قيست الموارد المتجمعة وراء السدود المشيدة في النصف الثاني من القرن الحالي.
-
رابعا : ظاهرة التصحر التي تهدد العديد من المناطق الهاشمية وتجعلها تتحول
إلى مجالات عميقة، بينما يتأكد أن الأسباب المناخية ليست وحدها المسؤولة
عن هذه الظواهر، بل المسؤول الأساسي عنها هو السلوك البشري، بتهديمه
لتوازنات طبيعية هشة جدا.
هذه
الظواهر الطبيعية المختلفة، من توضعات سطحية وتخديدات وتصحر، كلها تتطلب
أن تضبط وأن تنسب تاريخيا لفترة ما، في محاولة لإيجاد الأسباب الداعية إلى
انطلاقها أو إلى تضخيمها. وهذا يقتضي العمل المشترك بين المهتم بالطبيعة من
جهة، ودارسي المجتمع والتاريخ من جهة أخرى.
خاتمة - الخرائط البيئية في خدمة أرياف الدول العربية :
في بلداننا يمكن التفريق بين نوعين من الأرياف :
-
المناطق القروية الكثيفة السكن : هي المناطق حيث الغلبة للمجالات
الزراعية، حث الكثافة البشرية عالية وحيث توجد بعض المراكز الحضرية.
وأغراض الخريطة البيئية في هذا المجال الحفاظ على الثروات و الإمكانات
واستصلاح الأراضي وبعث التقدم الاقتصادي والاجتماعي.
وتمثل
الخريطة البيئية الوسط الجغرافي والتغيرات المستمرة التي تطرأ عليه. ولذا
فمن الواجب إدخال مفهوم الزمن في هذه الكرطوغرافية. إذ أدى التطور التاريخي
بالسطح إلى تغيرات هامة جدا. فجل هذه البلدان عرفت الاستعمار في القرن
العشرين. وقد كان أثره على البيئةبالغا كما كان على الأنظمة الإنتاجية.
والتاريخ القريب يفسر توزيع الكثافات وأنواع الاستيطانات البشرية
والاختلافات المحلية في البنيات العقارية وطرق الاستغلال. إلا أن نتائج هذه
الظواهر التاريخية فقط هي التي تقبل التمثيل الكرطوغرافي، ودور التحليل
إظهار الآليات وتقديم التأويلات.
كما
أن مفهوم الزمن يقتضي الإشارة إلى التطورات الممكن حدوثها في الحاضر
والمستقبل القريب، وذلك عبر تعريف للتوازنات الحيوية وهشاشتها في الغالب.
-
المناطق القروية ذات الكثافات البشرية الضعيفة هي المناطق التي احتفظت على
عناصر هامة من الغطاء النباتي الطبيعي، وذلك لضعف الاستيطان البشري.
لذا، يمكن تحضير خرائط البيئة في هذه المناطق بمقاييس صغرى أو متوسطة، مع الاهتمام بالثروات غير القابلة للتجديد.
والعناصر
الدينامية الأكثر ترددا في هذه المناطق هي تقدم وتراجع حدود الغابة
والمرفودينامية النهرية والريحية والتطورات البشرية ( تغيرات في نوعية
النظام الإنتاجي) والتطور المجالي للاستغلال.
مشكل
الموارد والبيئة في البلدان العربية ليس إذن بسيطا، بل يرتبط بالاختيارات
الأساسية وبنموذج النمو الذي يسعى إليه كل من هذه البلدان. فالحفاظ على
البيئة ليس أبدا حاجزا أمام النمو، وهو ليس من الكماليات؛ بل تحقيقه أساسي
ليتم التوازن بين الخيرات والثروات من جهة والنمو الاقتصادي والاجتماعي من
جهة أخرى. وفي هذا الإطار يظهر الدور الذي تلعبه الدراسات الجغرافية
وكرطوغرافية البيئة على الخصوص بصفتها أداة تعريف بالحقائق وأداة توعية.
بيبلوغرافيا
-
لعوينة، عبد الله ( 1984)، "التمثيل الكرطوغرافي للدينامية البيئية في
السهول المتوسطة نصف الجافة. مثال خريطة تريفة"، مجلة جغرافية المغرب،
الرباط، العدد الثامن، صص. 3-12.
-
LAOUINA,A.( 1990), « Implications spatiales et environnementales des
transformations socio-économiques et technologiques dans les campagnes
marocaines, » in Le Maroc, espace et société, Passauer
Mittelmerrustudien, Vol.Spéc.1, PP. 175-181.
-
LAOUINA, A. ( 1992 ), « La Géomorphologie dans les projets de
développement intégré au Maroc », in La Recherchescientifique au
service du développement, Publ. Fac. des lettres et des Sciences
Humaines, Rabat, Série Colloques, N° 22, PP . 291-298.
-
LAOUINA, A. CHAKER, M, NACIRI, et NAFFA, R. ( 1993), « L’érosion
anthropique en pays méditerranéen, le cas du Maroc septentrional,",
Bull.Ass.Géogr. . Franç., Paris, 5, PP . 384-398.
-
LAOUINA,A. ( 1993), « Geomorphology in Morocco », in The Evolution of
Géomorphology, Edited by H.J. Walker and W.E. Graban, Wiley, PP .
291-298.
-
DUNCAN, F.M., Mc GEOGOR and DONALD A. THOMPSON, Eds ( 1995),
« Géomorphology and Land Management », in A Chanping Environement,
Wiley, 339 P.
- TRACART, J. et KILLIAN, J. ( 1979), Hérodote, Maspéro, Parix, 325P.
مجلة التاريخ العربي :الدكتور عبد الله لعوينة،كلية الآداب، الرباط